الوافي بالوفيات - الصفدي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٢
الملك المنصور سيف الدين قلاوون لولده الملك الناصر فربي معه وألف به وولاه السلطان الملك الناصر النيابة بمصر وكان رئيسا كبيرا في بيت أستاذه يخضع له الكبار ويقولون بمقالته وكان حزبه منهم كثيرين مثل قجليس والجمالي ومنكلي بغا وطشتمر وقطلوبغا وطرجي وتولى النيابة بعد الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار وكان بيبرس قد تولاها بعد الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار الكبير لما قبض عليه وكان تركيا فصيحا مليح الشكل أنبل الناصرية وأميزهم تفقه لأبي حنيفة أذنوا له بالإفتاء قال لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس كان يعرف مذهب أبي حنيفة ودقائقه ويقصر فهمه في الحساب إلى الغاية وسمع البخاري من ابن الشحنة بقراءة فتح) الدين وكتبه بخطه في مجلدة واحدة في الليل على ضوء القنديل واقتنى الكتب الكثيرة وغوي بها وحصل منها جملة كبيرة إلى الغاية حكي لي أنه لما كان في حلب وسمع بموت قجليس الناصري جهز إلى مصر في البريد مبلغ ألفي دينار لمشتري كتب من تركته وجهز إلى بغداذ استنسخ فتاوى ابن قاضي خان وعلم الناس رغبته فيها فجبيت إليه ثمراتها من كل فج ولما حضر إلى دمشق متوجها إلى حلب صلى خلف الشيخ نجم الدين القحفيزي إمام جامع الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله وهو حنفي المذهب أنكر عليه تقدمه في المحراب وخروجه عن الصف لأنه خلاف المذهب وحكي أنه بحث معه يوما لما كان السلطان بدمشق ولم يكن إذ ذاك نائبا فقال له الشيخ نجم الدين أنت ما تبحث إلا بالصر حتى يجيء صدر الدين وأبحث معك لأن أرغون كان يحب صدر الدين ابن الوكيل ويؤثره وكان له حنو زائد على الشيخ أثير الدين أبي حيان وعلى الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس وخلص لهم المدارس وكان فهما يقظا ناب في المملكة بمصر زمانا في سنة إحدى عشرة تقريبا إلى سنة سبع وعشرين وسبعمائة وتوجه إلى الحجاز سنة ست وعشرين فلما غاب عمل عليه القاضي فخر الدين ناظر الجيش لأنه كان يكرهه فما حضر إلا وقد تغير عليه السلطان ولما أراد الدخول إليه خرج بكتمر الساقي وتركه عنده في البيت ثلاثة أيام وقد أخذ سيفه ثم إنه أخرجه مع الأمير سيف الدين أيتمش إلى حلب وأحضر نائبها الأمير علاء الدين الطنبغا فاجتمعوا كلهم بدمشق عند الأمير سيف الدين تنكز وصلوا بها الجمعة وقيل إن السلطان أمره بإمساك شخص من بلاد التتار كان قد عزم تلك السنة على الحج يقال إنه بعث إليه بعض مماليكه الذين أطلعهم على باطن الأمر فجهز إلى الغريم وقال له لا تحج هذه السنة فشق ذلك على السلطان فأقام بحلب نائبا مدة إنه أحضره السلطان إلى مصر فأقام عنده أياما ولما رآه بكيا طويلا ثم أعاده إلى محل نيابته ولم يزل بها إلى أن مات بحلب في أوائل سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة في ربيع الأول ومدة نيابته بها لم يسفك بها دما ولا قطع
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»