ركب ركب في عدة مماليك ورؤساء وأمراء، ولا يكاد يرفع رأسه إلى أحد ولا يتكلم إلا الكلمة بعد الكلمة، قد قتله العجب، وأهلكه الكبر، فنعوذ بالله من مقت الله. وكان صحيح الإسلام، جيد العقيدة. فيه ديانة وسنة في الجملة.
فارق السلطان كما ذكرنا، وسار إلى الإسكندرية في تحصيل الأموال، وفي خدمته مثل الأمير علم الدين الدواداري، فصادر متولي الثغر وعاقبه، فلم ينشب أن جاءه الخبر بقتل مخدومه، فركب لليلته منها هو وكاتبه الرئيس شرف الدين ابن القيسراني - وقال للوالي: افتح لي الباب حتى أخرج لزيارة القباري. ففتح له وسافر. وبلغني فيما بعد أن الوالي عرف الحال وشتم الوزير، ثم أخرجه في ذلة، صح - وجاء إلى المقس ليلا، فنزل بزاوية شيخنا ابن الظاهري، ولم ينم معظم الليل. واستشار الشيخ في الاختفاء، فقال له:
أنا قليل الخبرة بهذه الأمور.
وأشير عليه بالاختفاء، فقوى نفسه وقال: هذا لا نفعله، ولو فعله عامل من عمالنا لكان قبيحا. وقال: هم محتاجون إلي، وما أنا محتاج إليهم. ثم ركب بكرة ودخل في أبهة الوزارة إلى داره، فاستمر بها خمسة أيام، ثم طلب في اليوم السادس إلى القلعة، وأنزل إلى البلد ماشيا، فسلم من الغد إلى عدوه مشد الصحبة الأمير بهاء الدين قراقوش، سلمه إليه الشجاعي، فقيل إنه ضربه ألفا ومائة مقرعة، ثم سلم إلى الأمير بدر الدين المسعودي مشد مصر يومئذ بسبعة آلاف دينار مودعة عند جماعة، فأخذت منهم؟
ثم مات من العقوبة في تاسع صفر، وقد أنتن جسمه، وقطع منه اللحم الميت قبل موته. نسأل الله العفو والعافية.
ومات في عشر الخمسين أو أكثر.
197 - محمد بن محمد بن عقيل.