تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٥١ - الصفحة ١٤٧
المستعصم بالله، وكان اسمه قراجا، فلما أخذت بغداد تزهد وتسمى بعبد الرحمن، واتصل بالملك أحمد وعظم عنده إلى الغاية، بحيث كان ينزل إلى زيارته، وإذا شاهده ترجل ثم قبل يده، وامتثل جميع ما يشير به. وكان جميع ما يصدر عن الملك من الخير بطريقه، فأشار عليه أن يتفق مع الملك المنصور وتجتمع كلمتهم، فندبه لذلك، وسير معه جماعة كثيرة من المغول والأعيان فحضر إلى دمشق في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين، وأقام بمن معه في دار رضوان، ورتب لهم من الإقامات ما لا مزيد عليه، وبولغ في خدمتهم. وقدم السلطان إلى الشام، فعند وصوله بلغه قتل أحمد، وتملك أرغون بعده، فاستحضر الشيخ عبد الرحمن بقلعة دمشق ليلا، وسمع رسالته، ثم أخبره بقتل مرسله. ثم عاد السلطان إلى مصر، وبقي عبد الرحمن ومن معه معتقلين بالقلعة، لكن اختصر أكثر رواتبهم، وقرر لهم قدر الكفاية. فلما كان في آخر رمضان توفي عبد الرحمن، ودفن بسفح قاسيون وقد نيف على الستين، وبقي من كان معه على حالهم، وتطاول بهم الإعتقال، وأهمل جانبهم بالكلية، وضاق بهم الحال في المطعم والملبس، فعمل النجم يحيى شعرا بعث به إلى ملك الأمراء حسام الدين، فمنه:
* أولى بسجنك أن يحيط ويحتوي * صيد الملوك وأفخر العظماء * * منا قدر فراش وحداد * ونفاط وخربندا إلى سقاء * * خدموا رسولا ما لهم علم بما * يخفي وما يبدي من الأشياء * * لم يتبعوا الشيخ الرسول ديانة * وطلاب علم واغتنام وعاء * * بل رغبة في نيل ما يتصدق السلطان * من كرم وفيض عطاء * * ويؤملون فواضلا تأتيه من * لحم وفاكهة ومن حلواء * * نفروا من الكفار والتجأوا إلى * الإسلام واتبعوا سبيل نجاء *
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»