تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٥١ - الصفحة ١٣٨
رحمته كل شيء، وحق لها إذا وسعت. وسعت إلى طاعته السماوات والأرض.
حين قال * (ائتيا طوعا أو كرها) * فأطاعت وسمعت.
أحمده لصفات بهرت، وأشكره على نعم ظهرت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عن اليقين صدرت، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه والفتنة قد احتدت، والحاجة قد اشتدت، ويد الضلال قد امتدت، وظلمات الظلم قد اسودت، والجاهلية قد أخذت نهايتها، وبلغت غايتها، فجاء بمحمد صلى الله عليه وسلم، فملك عنانها، وكبت أعيانها، وظهرت آياته في الجبابرة، فهلكت فرسانها، وفي القياصرة فنكست صلبانها، وفي الأكاسرة فصدعت إيوانها، وأوضح على يده المحجة وأبانها، صلى الله عليه وعلى آله فروع الأصل الطيب، فما أثبتها شجرة وأكرم أغصانها.
أيها الناس خافوا الله تأمنوا في ضمان وعده الوفي، ولا تخافوا الخلق وإن كثروا، فإن الخوف منهم شرك خفي، ألا وإن من خاف الله. خاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء. وإنما يخاف عز الربوبية من عرف من نفسه ذل العبودية، والاثنان لا يجتمعان في القلب، ولا تنعقد عليهما النية. فاختاروا لأنفسكم، إما الله تعالى، وإما هذه الدنيا الدنية، فمن كانت الدنيا أكبر همه لم يزل مهموما، ومن كان زهرتها نصب عينه لم يزل مهزوما، ومن كانت جدتها غاية وجده لم يزل معدما حتى يصير معدوما.
فالله الله عباد الله، الاعتبار الاعتبار، فأنتم السعداء إذا وعظتم بالأغيار، أصلحوا ما فسد، فإن الفساد مقدمة الدمار، واسلكوا الجد تنجوا في الدنيا من العار، وفي الآخرة من النار، واتقوا الله، وأصلحوا تفلحوا، وسلموا تسلموا، وعلى التوبة صمموا واعزموا، فما أشقى من عقد التوبة بعد هذه العبر ثم حلها، ألا وإن ذنبا بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها '.
توفي ابن المنير في مستهل ربيع الأول بالثغر.
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»