وكان يستحضر كثيرا من مطالعته لكتب الرقائق، وكان يكتب أوراقا بشفاعات فيسارع أولوا الأمر إلى امتثالها. وكان مع لطف أخلاقه ذا هيبة شديدة. وقد سرد الصوم أكثر من أربعين سنة. وكان لا يمشي إلى أحد أبدا.
وكان يقال له: سلاب الأحوال، لأنه ما ورد عليه أحد من أرباب القلوب فسلك غير الأدب إلا سلبه حاله.
قال الشيخ قطب الدين موسى بن الفقيه في ' تاريخه ': له كرامات ظاهرة، ولقد سلب جماعة من الفقراء أحوالهم. وكان والدي - رحمه الله - إذا خرج إلى يونين طلع إلى زاويته من بكرة، ويدخلان إلى الخلوة، فلا يزالان كذلك إلى الظهر. وكان بينهما وداد عظيم واتحاد ومحاببة في الله.
وفي هذه السنة كان والدي يأمرني في كل وقت بقصد زيارته، فكنت بعد كل أيام أتردد إليه.
قال: وأخبر الشيخ عيسى قبل موته بمدة أن ملك بني أيوب يزول ويملك بعدهم الترك ويفتحون الساحل بأسره.
قال: وحكى بعضهم أنه توجه إلى طرابلس فوجد أسيرا فعرفه فقال له:
لا تتخلى عني واشترني وأنا أعطيك ثمني حال وصولي إلى قريتي قرية رعبان.
قال فاشتريته بستين دينارا وجئت معه، فلم أجد له ولا لأولاده تلك الليلة عشاء، فندمت، فقال لي أهل القرية: نحن أيام البيدر نجمع لك ثمنه، فضاق صدري. فاتفق أني جئت إلى يونين فرأيت الشيخ عيسى ولم أكن رأيته قبل ذلك، فحين رآني قال: أنت الذي اشتريت الحاج سهل؟ قلت: نعم.
فأعطاني شيئا، فإذا ورقة ثقيلة.
ففتحتها فإذا فيها الستين دينارا التي وزنتها بعينها، فتحيرت وأخذتها وانصرفت.
قال قطب الدين: وشكوا إليه التفاح وأمر الدودة، وسألوه كتابة حرز، فأعطاهم ورقة فشمعوها وعلقوها على شجرة، فزالت الدودة عن الوادي بأسره، وأخصبت أشجار التفاح بعد يبسها وحملت. وبقوا على ذلك سنين في حياة الشيخ وبعد موته. ثم خشوا من ضياع الحرز ففتحوه لينسخوه، فوجدوه