تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٦ - الصفحة ٩٠
رضي الدين، أبو الحجاج، الرحبي.
شيخ الطب بالشام. له القدم والاشتهار عند الخاص والعام. ولم يزل مبجلا عند الملوك. وكان كبير النفس، عالي الهمة، كثير التحقيق، حسن السيرة، محبا للخير، عديم الأذية.
كان أبوه من الرحبة كحالا، فولد له رضي الدين بجزيرة ابن عمر، أقام بنصيبين مدة، وبالرحبة. وقدم بعد ذلك دمشق مع أبيه في سنة خمس وخمسين وخمسمائة. ثم بعد مدة توفي أبوه بدمشق، وأقبل رضي الدين على الاشتغال. والنسخ، ومعالجة المرضى. واشتغل على مهذب الدين ابن النقاش ولازمه، فنوه بذكره وقدمه. ثم اتصل بالسلطان صلاح الدين، فحسن موقعه عنده، أطلق له في كل شهر ثلاثين دينارا، وأن يكون ملازما للقلعة والبيمارستان. ولم تزل عليه إلى أيام المعظم، فنقصه النصف، ولم يزل مترددا إلى المارستان إلى أن مات.
وقد اشتغل عليه خلق كثير، وطالت أيامه، وبقي أطباء الشام تلامذته. ومن جملة من قرأ عليه أولا مهذب الدين عبد الرحيم.
قال ابن أبي أصيبعة: حدثني رضي الدين الرحبي قال: جميع من قرأ علي سعدوا، وانتفع الناس بهم ثم سمى كثيرا منهم قد تميزوا وكان لا يقرئ أحدا من أهل الذمة، ولم يقرئ في سائر عمره منهم سوى اثنين، وكل منهما نبغ، وتميز، وكتب. قد قرأت عليه في سنة اثنتين وثلاث وعشرين وستمائة كتبا في الطب، وانتفعت به. وكان محبا للتجارة مغرى بها. وكان يراعي مزاجه، ويعتني بنفسه، ويحفظ صحته. وكان لا يصعد في سلم، وإذا طلب لمريض، سأل عن ذلك أولا. ويطلع إلى بستانه يوم السبت يتنزه. وكان الصاحب صفي الدين ابن شكر يلزم أكل الدجاج، فشحب لونه، فقال له رضي الدين يوما: الزم لحم الضأن وقد ظهر لونك، ألا ترى إلى لون هذا اللحم ولون هذا اللحم قال: فلزمه،
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»