تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٦ - الصفحة ١٩١
محمد بن بونه، وأبا الوليد بن جمهور، ونجبة بن يحيى، وخلقا سواهم. وأجاز له أبو العباس بن مضاء، وأبو محمد عبد الحق صاحب الأحكام وآخرون. وعني أتم عناية بالتقييد والرواية. وكان إماما في صناعة الحديث، بصيرا به، حافظا، حافلا، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكرا للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك،) وفي حفظ أسماء الرجال، خصوصا من تأخر زمانه وعاصره. وكتب الكثير، وكان الخط الذي يكتبه لا نظير له في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة، فردا في إنشاء الرسائل، مجيدا في النظم، خطيبا، فصيحا، مفوها، مدركا، حسن السرد والمساق لما يقوله، مع الشارة الأنيقة والزي الحسن. وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه على المنبر في المحافل. ولي خطابة بلنسية في أوقات. وله تصانيف مفيدة في عدة فنون، ألف كتاب الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء، وهو في أربعة مجلدات، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب مصباح الظلم يشبه الشهاب، وكتاب في أخبار الإمام أبي عبد الله البخاري وسيرته، وكتاب الأربعين، وتصانيف سوى ذلك كثيرة في الحديث، والأدب، والخطب. وإليه كانت الرحلة في عصره للأخذ عنه. أخذت عنه كثيرا، وانتفعت به في الحديث كل الانتفاع، وحضني على هذا التاريخ يعني تكملة الصلة.
قال: وأمدني من تقييداته وطرفه بما شحنته به. واستشهد بكائنة أنيشة على ثلاثة فراسخ من بلنسية، مقبلا غير مدبر، في العشرين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين. وكان أبدا يحدثنا أن السبعين منتهى عمره لرؤيا رآها. وهو آخر الحفاظ والبلغاء المترسلين بالأندلس.
قلت: وقد روى أبو العباس ابن الغماز قاضي تونس عدة دواوين.
قال ابن الغماز: أنشدنا أبو الربيع لنفسه:
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»