الفقه، ومختصرا في النحو. فلما ترعرعت حملني والدي إلى كمال الدين عبد الرحمن الأنباري وكان يومئذ شيخ بغداد، وله بوالدي صحبة قديمة أيام التفقه بالنظامية، فقرأت عليه خطبة الفصيح، فهذ كلاما كثيرا لم أفهمه، لكن التلاميذ حوله يعجبون منه. ثم قال: أنا أجفوا عن تعليم الصبيان احمله إلى تلميذي الوجيه الواسطي يقرأ عليه، فإذا توسطت حاله قرأ علي. وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء، وكان) رجلا أعمى من أهل الثروة والمروءة، فأخذني بكلتا يديه، وجعل يعلمني من أول النهار إلى آخره بوجوه كثيرة من التلطف. وكنت أحفظه من كتبه، وأحفظ معه، وأحضر معه حلقة كمال الدين إلى أن صرت أسبقه في الحفظ والفهم، وأصرف أكثر الليل في التكرار، وأقمنا على ذلك برهة. وحفظت اللمع في ثمانية أشهر، وكنت أطالع شرح الثمانيني، وشرح الشريف عمر بن حمزة، وشرح ابن برهان، وأشرح لتلامذة يختصون بي إلى أن صرت أتكلم على كل باب كراريس، ولا ينفذ ما عندي. ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة حفظا متقنا، ثم حفظت مشكل القرآن له، وغريب القرآن له، وكل ذلك في مدة يسيرة. ثم انتقلت إلى الإيضاح لأبي علي الفارسي، فحفظته في شهور كثيرة، ولازمت مطالعة شروحه وتتبعته التتبع التام حتى تبحرت فيه. وأما التكملة فحفظتها في أيام يسيرة كل يوم كراسا. وطالعت الكتب المبسوطة، وفي أثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتفقه على شيخنا ابن فضلان.
ومن كلام الموفق عبد اللطيف وكان فصيحا، مفوها: ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا أويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر الله عليها، وما اكتسبت من سيئة، فتستغفر الله منها، وتقلع عنها. وترتب في نفسك ما تعمله في غدك من الحسنات، وتسأل الله الإعانة على ذلك.
وقال: ينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول، فقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتتبع أفعاله وأحواله، واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك، وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطبه وتمتعه وتطيبه، ومعاملته مع ربه، ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه، وفعلت اليسير من ذلك، فأنت السعيد كل السعيد.