وكان من كثرة اشتغاله لا يتفرغ للتصنيف، وكان لا يكاد يفتر من الإشغال إما بإقراء القرآن، أو الأحاديث، أو بإقراء الفقه، والفرائض. وأقام بحران مدة، فانتفعوا به. وكان يشغل بالجبل إذا كان الإمام موفق الدين في المدينة، فإذا صعد الموفق نزل هو، فأشغل في المدينة.
وسمعت الموفق يقول: ما نقدر نعمل مثل العماد. كان يتألف الناس ويقربهم، حتى أنه ربما كرر على إنسان كلمات يسيرة من سحر إلى الفجر.
قال الضياء: وكان يكون في جامع دمشق من الفجر إلى العشاء لا يخرج إلا لما لا بد له منه، يقرئ الناس القرآن، والعلم، فإذا لم يتفق له من يشتغل عليه، اشتغل بالصلاة.) فسألت موفق الدين عنه، فقال: كان من خيار أصحابنا، وأعظمهم نفعا، وأشدهم ورعا، وأكثرهم صبرا على تعليم القرآن، والفقه. وكان داعية إلى السنة وتعلم العلم والدين. وأقام بدمشق مدة يعلم الفقراء ويطعمهم، ويبذل لهم نفسه، ويتواضع لهم. وكان من أكثر الناس تواضعا واحتقارا بنفسه، وخوفا من الله، وما أعلم أنني رأيت أشد خوفا منه. وكان كثير الدعاء والسؤال لله، وكان يطيل الركوع والسجود بقصد أن يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل من أحد يعذله في ذلك.
ونقلت له كرامات كثيرة. هذا كتبه بخطه موفق الدين.
قال الضياء: ولم أر أحدا أحسن صلاة منه، ولا أتم منها بخشوع وخضوع، وحسن قيام وقعود قيل: إنه كان يسبح في ركوعه وسجوده عشرا، يتأنى في ذلك، وربما كان بعضهم يقول: النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتخفيف، وقال: أفتان أنت يا معاذ فلا يرجع، ويستدل عليهم بأحاديث منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في الركعة الأولى حتى يمضي أحدنا إلى البقيع ويقضي حاجته ويأتي، والنبي صلى الله عليه وسلم لم