ويصفق إلى أن تعب. ثم جلس وهو يقول: ما أصنع ببهائم لا يفرقون بين الدر والبعر فاعتذرت إليه، وأنشدني شيئا آخر.
وسألته عن أبي العلاء المعري، فنهرني، وقال: ويلك كم تسيء الأدب بين يدي، ومن ذلك الكلب الأعمى حتى يذكر في مجلسي قلت: فما أراك ترضى عن أحد. قال: كيف أرضى عنهم وليس لهم ما يرضيني قلت: فما فيهم من له ما يرضيك قال: لا أعلم إلا أن يكون المتنبي في مديحه خاصة، وابن نباتة في خطبه، وابن الحريري في مقاماته. قلت: عجب إذ لم تصنف مقامات تدحض مقاماته قال: يا بني، اعلم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، عملت مقامات مرتين فلم ترضني، فغسلتها، وما أعلم أن الله خلقني إلا لأظهر فضل ابن الحريري. ثم شطح في الكلام وقال: ليس في الوجود إلا خالقان: واحد في السماء، وواحد في الأرض فالذي في السماء هو الله تعالى، والذي في الأرض أنا. ثم التفت علي وقال: هذا لا يحتمله العامة لكونهم لا يفهمونه، أنا لا أقدر على خلق شيء إلا خلق الكلام. فقلت: يا مولانا أنا محدث، وإن لم يكن في المحدث جراءة مات بغيظه، وأحب أن أسألك عن شيء.
فتبسم وقال: ما أراك تسأل إلا عن معضلة، هات. قلت: لم سميت بشميم فشتمني وضحك، وقال: اعلم أنني بقيت مدة لا آكل إلا الطين، قصدا لتنشيق الرطوبة وحدة الحفظ، فكنت أبقى مدة لا أتغوط ثم يجيء كالبندقة من الطين، فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه: شمه فإنه لا رائحة له، فلقبت بذلك، أرضيت يا ابن الفاعلة توفي شميم بالموصل في ربيع الآخر عن سن عالية.