تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤١ - الصفحة ٨١
القوافل، وساروا في الليل، فتهيأت الفرنج لكسبهم وكمنوا لهم، ثم بيتوهم بأرض الحسا. فطاف الإنكلتير حول القفل في صورة بدوي، فرآهم ساكنين، فكبسهم في السحر بخيله ورجله، فكان الشجاع من نجا بنفسه. وكانت وقعة شنعاء لم يصب الناس بمثلها في هذه السنين. وتبدد الناس في البرية وهلكوا، وحازت الفرنج أموالا وأمتعة لا تحصى، وأسروا خمسمائة نفس، ونحو ثلاثة آلاف جمل محملة، فقويت نفوس الملاعين بالظفر والغنائم، وعزموا على قصد القدس.
4 (المشورة في أمر القدس)) وسار كندهري إلى صور، وطرابلس، وعكا يستنفر الناس، فهيأ السلطان القدس وحصنها للحصار، وأفسد المياه التي بظاهر القدس كلها، وجمع الأمراء للمشورة، فقال القاضي بهاء الدين بن شداد: فأمرني أن أحثهم على الجهاد، فذكرت مايسر الله تعالى، وقلت إن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد به الأمر بايع الصحابة على الموت، ونحن أول من تأسى به، نجتمع عند الصخرة، ونتحالف على الموت. فوافقوا على ذلك وسكت السلطان طويل والناس كأن على رؤوسهم الطير، ثم قال الحمد لله والصلاة على رسول الله. واعلموا أنكم جند الإسلام اليوم ومنعته، وأنتم تعلمون أن دماء المسلمين وأموالهم وذراريهم متعلقة في ذمتكم. وإن هذا العدو ليس له من يلقه غيركم، فلو لويتم أعنتكم، والعياذ بالله، طوى البلاد، وكان هذا من ذمتكم، فإنكم أنتم الذين تصديتم لهذا، وأكلتم بيت مال المسلمين لخفظ حوزتهم.
فانتدب جوابه سيف الدين المشطوب وقال: نحن مماليكك وعبيدك، وأنت الذي أنعمت علينا وعظمتنا، وليس لنا إلا رقابنا، وهي بين يديك
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»