تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤١ - الصفحة ٥١
قال: ودخل إلى حدود بلاد قلج أرسلان، ورد الرهائن، وبقي سائرا ثلاثة أيام، وتركمان الأرواح يلقونه بالأغنام والأبقار والخيل والبضائع، فتداخلهم الطمع وتجمعوا له من جميع البلاد، ووقع القتال بين التركمان وبينهم، وضايقوه ثلاثة وثلاثين يوما وهو سائر. ولما قرب من قونية جمع ابن قلج أرسلان العساكر، فضرب معه المصاف، فكسره ملك الألمان كسرة عظيمة، وسار حتى أشرف على قونية، فخرج إليه جموع عظيمة، فردهم مكسورين، وهجم قونية بالسيف، وقتل منهم عالما عظيما من المسلمين، وأقام بها خمسة أيام، فطلب قلج أرسلان منه الأمان فآمنه، وأخذ منه رهائن عشرين من أكابر دولته، وأشار على الملك أن يمروا على طرطوس ففعل.
وقبل وصوله بعث إلي رسولا، فأنفذ المملوك خاتما، وصحبته ما سأل، وجماعة إليه، فكثرت عليه العساكر ونزل على نهر فأكل خبزا ونام، ثم تاقت نفسه إلى الاستحمام ففعل، وتحرك عليه مرض عظيم ومات بعد أيام قلائل.
وأما لافون فسار لتلقية، فلما علم بهذا احتمى بحصن له. وأما ابن ملك الألمان فكان أبوه منذ خرج نصب ولده هذا عوضه، وتأصرت قواعده، فلما بلغه هرب رسل لافون نفذ يستعطفهم فأحضرهم وقال: إن أبي كان شيخا كبيرا، وإنما قصد هذه الديار لأجل حج بيت المقدس وأنا) الذي دبرت الملك، فمن أطاعني وإلا قصدت بلاده. واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع به ضرورة. وبالجملة قد عرض عسكره، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس، وأما الرجالة فلا يحصون، وهم أجناس متفاوتة، وهم على سياسة عظيمة، حتى إن من جنى منهم جناية قتل.
ولقد جنى كبير منهم على غلامه فجاوز الحد في ضربه، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه، فشفع إلى الملك منهم خلق، فلم يلتفت إلى ذلك وذبحة. وقد حرموا الملاذ
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»