تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤١ - الصفحة ٣٥٣
وذكر أبو جعفر القرطبي إمام الكلاسة أنه لما انتهى في القراءة إلى قوله تعالى: هو الله الذي لا إله إلاهو عالم الغيب والشهادة سمعه وهو يقول: صحيح. وكان ذهنه غائبا قبل ذلك. ثم توفي وهذه يقظة عند الحاجة.
وغسله الدولعي، وأخرج في تابوت، وصلى عليه القاضي محيي الدين بن الزكي، وأعيد إلى الدار التي في البستان التي كان متمرضا فيها. ودفن بالضفة الغربية منها. وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظم الضجيج، حتى إن العاقل يتخيل أن الدنيا كلها تصبح صوتا واحدا.
وغشي الناس من البكاء والعويل ما شغلهم عن الصلاة، وصلى عليه الناس أرسالا، وتأسف الناس عليه، حتى الفرنج، لما كان عليه من صدق وفائه إذا عاهد. ثم بنى ولده الأفضل صاحب دمشق قبة شمالية إلى الجامع، وهي التي شباكها القبلي إلى الكلاسة، ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة اثنتين وتسعين، ومشى بين يدي تابوته. وأراد العلماء حمله على أعناقهم، فقال الأفضل: يكفيه أدعيتكم الصالحة. وحمله مماليكه، وأخرج إلى باب البريد، فصلى عليه قدام النسر. وتقدم في الأمانة القاضي محيي الدين بإذن ولده. ودخل الأفضل لحده وأودعه وخرج، وسد الباب. وجلس هناك للعزاء ثلاثة أيام، وذلك خلاف العادة، وخلاف السنة.
كان رحمه الله كريما، جوادا، بطلا، شجاعا، كامل العقل والقوى، شديد الهيبة، افتتح بسيفه وبأقاربه من اليمين إلى الموصل، إلى أوائل المغرب، إلى أسوان.
وفي الروضتين لأبي شامة إن السلطان رحمه الله لم يخلف في خزائنه من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما، ودينارا واحدا صوريا. ولم يخلف ملكا ولا عقارا، وخلف سبعة عشر ولدا ذكرا، وابنة صغيرة.
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»