ترى هذا المسجد قد عمرته وأفردته عن الدور، وما صلى فيه أحد من زمان أبي الدرداء. فقلت. الله الله يا مولانا، ما زال نور الدين منذ ملك دمشق يصلي فيه الصلوات الخمس.
حدثني والدي، وكان من أكابر عدول دمشق، أن الفرنج لما نزلت على دمياط بعد موت أسد الدين، وضايقوها، أشرفت على الأخذ، فأقام نور الدين عشرين يوما صائما، لا يفطر إلا على الماء، فضعف وكاد يتلف، وكان مهيبا لا يتجاسر أحد أن يخاطبه في ذلك، وكان له إمام ضرير اسمه يحيى، وكان يقرأ عليه القرآن، فاجتمع إليه خواص نور الدين، وكلموه في ذلك.
فلما كان تلك الليلة رأى الشيخ يحيى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له: يا يحيى بشر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط. فقلت: يا رسول الله، ربما لا يصدقني فقال: قل له بعلامة يوم حارم.
قال: وآنتبه يحيى، فلما صلى نور الدين خلفه الفجر، وشرع يدعو، هابه أن يكلمه، فقال له نور الدين: يا يحيى. قال: لبيك. قال: تحدثني أو أحدثك فارتعد يحيى وخرس، فقال: أنا أحدثك، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة، وقال لك: كذا وكذا. قال: نعم، فبالله يا مولانا، ما معنى قوله: بعلامة يوم حارم قال: لما التقينا خفت على الإسلام، فآنفردت ونزلت، ومرغت وجهي على التراب، وقلت: يا سيدي، من محمود في البين، الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم هو، فافعل ما يليق بكرمك.
قال: فنصرنا الله عليهم.
وحكى لي شيخنا تاج الدين الكندي قال: ما تبسم نور الدين إلا نادرا. حكى لي جماعة من المحدثين أنهم قرأوا عنده حديث التبسم، وكان يرويه،