تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٧ - الصفحة ٣٩٠
القنطرة، ثم تخادلوا عن هشام، فأخذ، وأخذ أخوه أبو بكر، فقتلهم ابن عبد الجبار صبرا، وقتل خلق من البربر، ثم تحيز البربر إلى قلعة رباح، وهرب معهم سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر، فبايعوه، وسموه المستعين بالله، وجمعوا له مالا من كل قبيلة، حتى اجتمع له نحو من مائة ألف دينار، فتوجه بالبربر إلى طليطلة، فامتنعوا عليه، ثم ملكها، وقتل واليها، فاعتد ابن عبد الجبار للحصار، وجزع حتى حرى عليه العامة، ثم بعث عسكرا، فهزمهم سليمان، فرتب الناس للقتال، وكان أكثر جند ابن عبد الجبار لحامين رجاله، وقارب سليمان قرطبة، فبرز إليه عسكر ابن عبد الجبار، فناجزهم سليمان، وكان من غرق منهم في الوادي أكثر ممن قتل، وكانت وقعة هائلة، وذهب خلق من الأخيار والمؤدبين والأئمة، فلما أصبح ابن عبد الجبار أخرج المؤيد بالله هشام بن الحكم الذي كان أظهر موته، فأجلسه للناس، وأقبل القاضي يقول: هذا أمير المؤمنين، وأنا محمد نائبه، فقال له البربر: يا بن ذكوان بالأمس تصلي عليه، واليوم تحييه وخرج أهل قرطبة إلى المستعين سليمان، فأحسن ملقاهم، واختفى ابن عبد الجبار، واستوسق أمر المستعين، ودخل القصر، ووارى الناس قتلاهم، فكانوا نحو اثني عشر ألفا.
ثم هرب ابن عبد الجبار إلى طليطلة، فقاموا معه، وكتب إلى الفرنجية ووعدهم بالأموال، واجتمع إليه خلق عظيم، وهو أول مال انتقل من بيت المال بالأندلس إلى الفرنج، وكانت الثغور كلها باقية على طاعة ابن عبد الجبار، فقصد قرطبة في جيش كثير، فكان الملتقى على عقبة البقر، على بريد من قرطبة، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم سليمان، واستولى المهدي على قرطبة ثانيا، ثم خرج بعد أيام إلى قتال جمهرة البربر، فالتقاهم بوادي آره، فهزموه، ففر إلى قرطبة، ثم انهزم ابن عبد الجبار أقبح هزيمة، وقتل من الفرنج ثلاثة ألف في السنة، وغرق منهم خلق، وأسر ابن عبد الجبار،
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 393 394 395 396 ... » »»