تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٧ - الصفحة ٢٤٦
أكبادهم الجلاميد، يستأنسون بأهل الوقائع استئناس الظبايا السرايع، ودام القتال إلى نصف النهار، فأمر السلطان بتوليتهم الظهور استدراجا، فاغتروا وانقضوا على مواقعتهم، واغتنموا الفرصة، فكرت عليهم الخيول بضربات غنيت بذواتها عن أدواتها، فلم ترتفع منها واحدة إلا عن دماغ منثور، ونياط مبتور، وصرع في المعركة رجال كهشيم المحتضر، أو أعجاز نخل منقعر، وأسر ابن سورى وسائر حاشيته، وأفاء الله على السلطان ما اشتمل عليه حصنه من ذخائره التي اقتناها كابر عن كابر، وورثها كافر عن كافر، وأمر السلطان بإقامة شعار الإسلام فيما افتتحه من تلك القلاع، فأفصحت بالدين المنابر، واشترك في عز دعوته البادي والحاضر، ولعظم ما ورد على ابن سورى، مص فص خاتم مسموم، فأتلف نفسه، وخسر الدنيا والآخرة.
وأما الأندلس فتم فيها فتن هائلة، وانقضت أيام الأمويين، وتفرقت الكلمة.
وفي ربيع الأول سنة أربعمائة دخل البربر والنصارى قرطبة، فقتلوا من أهلها أزيد من ثلاثين ألفا، وتملكها سليمان الأموي المستعين، واستقر بها سبعة أشهر، ثم بلغه أن المهدي الأموي، هو ابن عمه، قد استنجد بالنصارى لأخذ الثأر منه، فتأهب، ثم وقع بينهم مصاف، فانهزم البربر والمستعين، وذلك في رابع شوال، ودخل المهدي قرطبة بدولته الثانية، فصادرهم، وفعل الأفاعيل، وخرج يتبع البربر، فكروا عليه فهزموه، واستبيح عسكره، وقتل نحو العشرين ألفا من أهل قرطبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والله أعلم.
آخر الحوادث، والحمد لله وحده.)
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»