تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٧ - الصفحة ٢٤٥
السلطان في سنة أربعمائة لغزو الهند تقربا إلى الله، فنهض يحث الخيول، ويخترق الحزون والسهول، إلى أن توسط ديار الهند فاستباحها، ونكس أصنامها، وأوقع بعظيم العلوج وقعة أفاء الله عليه بها أمواله، وأغنم خيوله وأفياله، وحكم فيها سيوف أوليائه، يحرسونهم ما بين كل سبسب وفدفد، ويجررونهم عند كل مهبط ومصعد، ورد إلى غزنة بالغنائم، فلما رأى ملك الهند ما صب الله عليه وعلى أهل مملكته من سوط العذاب بوقائع السلطان، أيقن انه لا قبل له بثقل وطأته، فأرسل إليه أعيان أقاربه ضارعا إليه في هدنة يقف فيها عند أمره، ويسمح بماله ووفره، على أن يقود إليه بادئ الأمر وخمسين فيلا، معها مالا عظيم الخطر، بما يضاهيه من مسار تلك الديار، ومتاع تلك البقاع، وعلى أن يناوب كل عام من أفناء عسكره في خدمة باب السلطان بألفي رجل، إلى إتاوة معلومة. فأوجب السلطان إجابته ببذل طاعته، وإعطاءه الجزية عن يده، وبعث إليه من طالبه بتصحيح المال، وقود الأفيال، فنفذ ما وعدوا، وانعقدت الهدنة، وتتابعت القوافل من خراسان والهند، ولله الحمد.) وبقيت جبال الغور في وسط ممالك السلطان محمود، وبها قوم من الضلال الخالين عن سمة الإسلام يخيفون السبيل، ويتمنعون بتلك الجبال الشواهق، فأهم السلطان شأنهم، وصمم على تدويخ ديارهم وانتزاع بعرة الإستطالة من رؤوسهم، فاجلب عليهم بخيله ورجله، وقدم أمامه والي هراة التونتاش، ووالي طوس أرسلان، فسارا مقتحمين مضايق تلك المسالك، إلى مضيق قد غص بالكماة، فناشدوا الحرب تناوشا بطلت فيه العوامل إلا الصوارم في الجماجم والخناجر في الحناجر، وتصابر الفريقان، حتى سالت نفوس، وطارت رؤوس، فلحقهم السلطان في خواص أبطاله، وجعل يلجئهم إلى ما وراءهم شيئا فشيئا، إلى أن فرقهم في عطفات الجبال، واستفتح المجال إلى عظيم الكفرة المعروف بابن سورى، فغزاه في عقر داره، وأحاط ببلده، وشد عليه، فبرز الرجل في عشرة آلاف كأنما خلقوا من حديد، وكأن
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»