العقول جزالة وملأ الأسماع جلالة، فقال: أما بعد، فإن لكل حادثة مقاما، ولكل مقام مقالا، وليس بعد الحق إلا الضلال، وإني قد قمت في مقام كريم، بين يدي ملك عظيم، فاصغوا لي بأسماعكم، إن من الحق أن يقال للمحق: صدقت، وللمبطل: كذبت، وإن الجليل تعالى في سمائه، وتقدس بأسمائه، أمر كليمه موسى أن يذكر قومه بنعم الله عندهم، وأنا أذكركم نعم الله عليكم، وتلافيه لكم بولاية أميركم التي آمنت سربكم ورفعت خوفكم، وكنتم قليلا فكثركم، ومستضعفين فقواكم، ومستذلين فنصركم، ولاه الله أياما ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شعل النفاق حتى صرتم مثل حدقة البعير، مع ضيق الحال والتغيير، فاستبدلتم من الشدة بالرخاء. فناشدتكم الله ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها، والسبل مخوفة فأمنها، والأموال منتهبة فأحرزها، والبلاد) خرابا فعمرها، والثغور مهتضمة فحماها ونصرها، فاذكروا آلاء الله عليكم. وذكر كلاما طويلا وشعرا، فقطب الرسول وصلب وتعجب الأمير عبد الرحمن منه وولاه خطابة الزهراء، ثم قضاء الجماعة بمملكته، ولم يحفظ له قضية جور، وقد استعفى غير مرة فلم يعف، والله أعلم.
(١٣٤)