ثم تنثال علي السؤالات، فأسأله فيجيبني للوقت، ثم يمضي فيعملها كتبا.
وكان يقول لي: كم تقول عزلتي أنسي، لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا، ولو أن النصف الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم.
واجتاز بي الحارث يوما، وكان كثير الضر، فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع. فقلت: يا عم، لو دخلت إلينا قال: أو تفعل قلت: نعم، وتسرني بذلك.
فدخلت بين يديه، وعمدت إلى بيت عمي، وكان لا يخلو من أطعمة فاخرة، فجئت بأنواع من الطعام، فأخذ لقمة، فرأيته يلوكها ولا يزدردها. فوثب وخرج وما كلمني. فلما كان من الغد لقيته فقلت: يا عم، سررتني، ثم نغصت علي. قال: يا بني أما الفاقة فكانت شديدة، وقد اجتهدت أن أنال من الطعام، ولكن بيني وبين الله علامة، إذا لم يكن الطعام رضيا ارتفع إلى أنفي منه زفرة، فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم.
وقال ابن مسروق: قال حارث المحاسبي: لكل شيء جوهر، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل التوفيق.
قال: وسمعت الحارث يقول: ثلاثة أشياء عزيزة: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.