قال أبو مسهر: ثنا خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن حريث قال: لما كان الغداة التي مات في ليلتها معاوية فزع الناس إلى المسجد، ولم يكن قبله خليفة بالشام غيره، فكنت فيمن أتى المسجد، فلما ارتفع النهار، وهم يتكون في الخضراء، وابنه يزيد غائب في البرية، وهو ولي عهده، وكان نائبه على دمشق الضحاك بن قيس الفهري، فدفن معاوية، فلما كان بعد أسبوع بلغنا أن ابن الزبير خرج بالمدينة وحارب، وكان معاوية قد غشي عليه مرة، فركب بموته الركبان، فلما بلغ ذلك ابن الزبير خرج، فلما كان يوم الجمعة صلى بنا الضحاك ثم قال: تعلمون أن خليفتكم يزيد قد قدم، ونحن غدا متلقوه، فلما صلى الصبح ركب، وركبنا معه، فسار إلى ثنية العقاب، فإذا بأثقال يزيد، ثم سرنا قليلا، فإذا يزيد في ركب معه أخواله من بني كلب، وهو على بختي، له رحل، ورائطه مثنية في عنقه، ليس عليه سيف ولا عمامة، وكان ضخما سمينا، قد كثر شعره وشعث، فأقبل الناس يسلمون عليه ويعزونه، وهو ترى فيه الكآبة والحزن وخفض الصوت، فالناس يعيبون ذلك منه ويقولون: هذا الأعرابي الذي ولاه أمر الناس، والله سائله عنه، فسار، فقلنا: يدخل من باب توما، فلم يدخل، ومضى إلى باب شرقي، فلم يدخل منه وأجازه، ثم أجاز باب كيسان إلى باب الصغير، فلما وافاه أناخ ونزل، ومشى الضحاك بين يديه إلى قبر معاوية، فصفنا خلفه، وكبر أربعا، فلما خرج من المقابر أتى ببغلة فركبها إلى الخضراء، ثم نودي الصلاة جامعة لصلاة الظهر، فاغتسل ولبس ثيابا نقية، ثم جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر موت أبيه، وقال: إنه كان يغزيكم البر والبحر، ولست) حاملا واحدا من المسلمين في البحر، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتيا أحدا بها، وإنه كان يخرج لكم العطاء أثلاثا، وأنا أجمعه لكم كله. قال: فافترقوا، وما يفضلون عليه أحدا.
(١٦٨)