وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٥ - الصفحة ٢٤٦
فقلت قل قال إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله قط قلت لا قال فنصفه قلت لا قال فثلثه قلت لا حتى بلغ العشر فاستحييت وقلت أظن أني قد فعلت هذا قال ما ذاك بعظيم أنا والله راجل ورزقي من أبي جعفر المنصور كل شهر عشرون درهما وهذا الجوهر قيمته ألوف دنانير وقد وهبته لك ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس ولتعلم أن في هذه الدنيا من هو أجود منك فلا تعجبك نفسك ولتحقر بعد هذا كل جود فعلته ولا تتوقف عن مكرمة ثم رمى العقد في حجري وترك خطام الجمل وولى منصرفا فقلت يا هذا قد والله فضحتني ولسفك دمي أهون علي مما فعلت فخذ ما دفعته لك فإني غني عنه فضحك وقال أردت أن تكذبني في مقالي هذا والله لا أخذته ولا آخذ لمعروف ثمنا أبدا ومضى لسبيله فوالله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن يجيء به ما شاء فما عرفت له خبرا وكأن الأرض ابتلعته ولم يزل معن مستترا حتى كان يوم الهاشمية وهو يوم مشهور ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور فوثبوا عليه وجرت مقتلة بينهم وبين أصحاب المنصور بالهاشمية وهي مدينة بناها السفاح بالقرب من الكوفة ذكر غرس النعمة بن الصابي في كتاب الهفوات ما مثاله لما فرغ السفاح من بناء مدينته بالأنبار وذلك في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وكان معن متواريا بالقرب منهم فخرج متنكرا معتما ملثما وتقدم إلى القوم وقاتل قدام المنصور قتالا أبان فيه عن نجدة وشهامة وفرقهم فلما أفرج عن المنصور
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»