والمعري أخذ هذا المعنى من دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المقدم ذكره فإنه كان قد هجا الخليفة المعتصم بالله بن هارون الرشيد فطلبه فهرب من العراق إلى الديار المصرية وسكن بأسوان في آخر بلادها وقال في ذلك (وإن امرءا أضحت مطارح سهمه * بأسوان لم يترك من الحزم معلما) (حللت محلا يحسر الطرف دونه * ويعجز عنه الطيف أن يتجشما) وقد خرجنا عن المقصود ولكن ساق الكلام بعضه بعضا ولما مات السلطان صلاح الدين وملك الملك العادل دمشق كان غائبا في السفرة التي نفي فيها فسار متوجها إلى دمشق وكتب إلى الملك العادل قصيدته الرائية يستأذنه في الدخول إليها ويصف دمشق ويذكر ما قاساه في الغربة ولقد أحسن فيها كل الإحسان واستعطفه أبلغ استعطاف وأولها (ماذا على طيف الأحبة لو سرى * وعليهم لو سامحوني بالكرى) ووصف في أوائلها دمشق وبساتينها وأنهارها ومستنزهاتها ولما فرغ من وصف دمشق قال مشيرا إلى النفي منها (فارقتها لا عن رضا وهجرتها * لا عن قلى ورحلت لا متخيرا) (أسعى لرزق في البلاد مشتت * ومن العجائب أن يكون مقترا) (وأصون وجه مدائحي متقنعا * وأكف ذيل مطامعي متسترا)
(١٦)