نزهة المشتاق في اختراق الآفاق - الشريف الادريسي - ج ١ - الصفحة ٢٣٢
تحللت الثلوج النازلة بجبل درن فيسيل ذوبانها إلى نهر اغمات وربما جمد في داخل المدينة حتى يجتاز الأطفال عليه وهو جامد فلا يتكسر لشدة جموده وهذا شيء عايناه بها غير مرة ومدينة اغمات أهلها هوارة من قبائل البربر المتبربرين بالمجاورة وهم أملياء تجار مياسير يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من النحاس الأحمر والملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار وضروب من الأفاوية والعطر وآلات الحديد المصنوع وما منهم رجل يسفر عبيده ورجاله إلا وله في قوافلهم مائة جمل والسبعون والثمانون جملا كلها موقرة ولم يكن في دولة المتلثم أحد أكثر منهم أموالا ولا أوسع منهم أحوالا وبأبواب منازلهم علامات تدل على مقاديرهم وذلك أن الرجل منهم إذا ملك أربعة آلاف دينار يمسكها مع نفسه وأربعة آلاف يصرفها في تجارته أقام على يمين بابه وعن يساره عرصتين من الأرض إلى أعلى السقف وبنيانهم بالآجر وبالطوب والطين أكثر فإذا مر الخاطر بدار ونظر إلى تلك العرص مع الأبواب قائمة عدها فيعلم من عددها كم مبلغ مال صاحب الدار لأنه قد يكون من هذه العرص خلف الباب أربع وست مع كل عضادة اثنتان وثلاث وأما الآن في وقت تأليفنا هذا الكتاب فقد أتي على أكثر أموالهم وغيرت المصامدة ما كان بأيديهم من نعم الله ولكنهم مع هذا أملياء مياسير
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»