في مدينة عيذاب الصغيرة غير ماء المطر فلا بئر فيها ولا عين فإذا لم تمطر السماء أحضر البجة الماء وباعوه وقد بقينا هناك ثلاثة أشهر وكنا نشتري قربة الماء بدرهم أو بدرهمين وسبب بقائنا هذه المدة أن السفينة لم تقلع إذ كانت الريح شمالية وكان ينبغي لرحلتنا ريح الجنوب وحينما رآني الناس طلبوا إلي أن أكون خطيبهم فلم أردهم وخطبت لهم تلك المدة حتى أتى الموسم ثم سارت السفينة شمالا إلى أن بلغنا جدة ويقال إن الجمال النجيبة لا توجد في مكان آخر غير هذه الصحراء وهي تنقل منها إلى مصر والحجاز وقد حكى لي رجل أعتمد على قوله من مدينة عيذاب قال كنت في سفينة محملة بالجمال لأمير مكة فمات جمل منها فرموه في البحر فابتلعنه سمكة في الحال ولم يبق خارج فمها غير رجله فجاءت سمكة أخرى وابتلعت هذه السمكة بالجمل ولم يظهر عليها أي أثر من ذلك ويسمى هذا السمك بالقرش ورأيت في هذه المدينة جلد سمك يسمونه في خراسان الشفق ويظنون انه نوع من الضب ولكني رأيت في عيذاب أنه سمك وله كل ما للسمك من زعانف حينما كنت في أسوان كان لي صديق ذكرت اسمه قبلا وهو أبو عبد الله محمد بن فليج فلما ذهبت من هناك إلى عيذاب كتب من إخلاصه لي لوكيله بها كتابا يقول فيه إعط ناصرا ما يريد وهو يعطيك صكا للحساب فلما بقيت بها ثلاثة أشهر وأنفقت ما معي اضطررت أن أعطي هذه الورقة للوكيل فأكرمني وقال إن له والله لدي أشياء كثيرة وإني معطيك ما تريد وأعطني صكا به فتعجبت من حسن صنع هذا الرجل محمد ابن فليج الذي أظهر كل هذه الطيبة بغير سابقة مني اليه ولو كنت رجلا دنيئا واستحللت لنفسي أن آخذ لأخذت بهذه الورقة أشياء كثيرة وقد أخذت
(١١٩)