العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٣٩
قالوا: كان على وهو ابن سبع سنين أرجح عقلا من أبى بكر وهو ابن إحدى وأربعين سنة. فتركوا العيان وعارضوا الشاهد بالغائب.
وإن قال قائل: إن أبا بكر كان مع النبي في الغار وقد نطق به القرآن وثبته الاجماع. قالوا: فإن عليا أباته النبي على فراشه.
وإن قلت: إن النبي سمى أبا بكر بالصديق تفضيلا له ولم يجعل له اسما يفضله به. قالوا: بلى، قد كان النبي سماه الصديق الأكبر، ولكن الناس منعوه ذلك وظلموه، حين لم يسيروه ويشيعوه.
وإن قلت: إن النبي اشتكى أياما وليالي، كل ذلك يأمر أبا بكر بالصلاة، وهو حاضر ولا يأمره، قالوا: لان عليا كان مشغولا بتمريضه.
وإن قلت: إن الناس لما افتتنوا بعد موت النبي وعظموا شأنه حتى دعاهم الافراط إلى أن قالوا: لم يمت، ولكنه يغيب مثل ما غاب موسى عن قومه. فكان أبو بكر هو المتكلم والمحتج والمحامى حتى عرفهم الحق وتنبهوا من الوسنة. قالوا: لان عليا قد كان اشتد حزنه حتى قطعه عن الاحتجاج والتعريف.
فإن قلت: حين أظهروا الفرقة والدار دارهم. لو تركهم أبو بكر ولم يعرفهم فضل المهاجرين عليهم. لكان في ذلك أشد الفتنة وأكبر الفساد، فعاجلهم وتجرد للاحتجاج عليهم، حين كان كل إنسان همه هم نفسه، وعلى بمعزل حتى كأنه كان غائبا. قالوا: لان عليا قد كان عرف حسد قريش وبغيها عليه، وطاعتها وحبها لأبي بكر، فلم يكن ليقدح في غير مقدح، أو ينفخ في غير فحم.
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»