العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٥٥
ذلك من قبل أصحاب ابن عباس، وإن شئتم فأهل الكتاب يهودهم ونصاراهم الذين ليس لهم في ذلك دفع مضرة ولا اجتلاب منفعة، ولو آثروا أن يجحدوا ما عرفوا، وأن يطبقوا على إنكار ما علموا، وكان ذلك ممكنا في القدرة، سائغا جائزا، لجحدوا أن بني إسرائيل أخذت موسى بقتل هارون تعنتا وبغيا، أو غلطا أو جهلا.
وهذا مشهور عند أهل الكتاب وأهل التفسير.
وليس أحد أحق بأن يصيب في الأمثال إذا ضربها، ولا أولى بحسن التشبيه إذا شبه، من خيرة الله وصفوته من رسله، فكيف يجوز أن يقول النبي صلى الله عليه لعلى: " أنت منى بمنزلة هارون من موسى " وهو يريد الخلافة، وهارون لم يكن من موسى خليفة من بعد موته، ولم يكن على خليفة النبي صلى الله عليه في حياته. ففي أي المنزلتين وعلى أية الحالين يكون على خليفة إذ لم يكن استخلفه النبي (1) أيام حياته. بل كيف يجعله من نفسه بمنزلة هارون من موسى وهو يريد الخلافة من بعده، وهارون لم يكن خليفة موسى بعده.
ولابد للحديث مع سوء تأويلكم واضطراب حجتكم من ضربين:
إما أن يكون باطلا لم يتكلم به النبي صلى الله عليه. وإما أن يكون حقا ومعناه غير ما قلتم. وتفسيره غير ما ادعيتم.
ولو أن النبي صلى الله عليه أراد أن يجعل عليا خليفة من بعده إذ لم يكن جعله خليفة أيام حياته، لقال (2): أنت منى بمنزلة يوشع بن نون

(1) في الأصل: " استخلفه موسى ". وكلمة " موسى ". مقحمة.
(2) في الأصل: " فقال ".
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»