إلى المبارزة، فأحجم الناس كلهم عنه لما علموا من بأسه وشدته. ثم كرر النداء فقام علي عليه السلام فقال: أنا أبرز إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إنه عمرو. قال: نعم وأنا على. فأمره بالخروج إليه، فلما خرج قال صلى الله عليه وآله:
برز الايمان كله إلى الشرك كله. وكيوم أحد حيث حمى رسول الله صلى الله عليه وآله من أبطال قريش وهم يقصدون قتله، فقتلهم دونه حتى قال جبريل عليه السلام:
يا محمد، إن هذه هي المواساة. فقال: " إنه منى وأنا منه " فقال جبريل: وأنا منكما، ولو عددنا أيامه ومقاماته التي شرى فيها نفسه لله تعالى لأطلنا وأسهبنا.
(16) ص 42 - 43 من العثمانية أما كثرة المستجيبين فالفضل فيها راجع إلى المجيب لا إلى المجاب. على أنا قد علمنا أن من استجاب لموسى عليه السلام أكثر ممن استجاب لنوح عليه السلام، وثواب نوح أكثر، لصبره على الأعداء ومقاساة خلافهم وعنتهم.
وأما إنفاق المال فأين محنة الغنى من محنة الفقير، وأين يعدل إسلام من أسلم وهو غنى إن جاع أكل وإن أعيا ركب، وإن عرى لبس، قد وثق بيساره واستغنى بماله، واستعان على نوائب الدنيا بثروته - بمن لا يجد قوت يومه، وإن وجد لم يستأثر به، فكان الفقر شعاره، وفى ذلك قيل: " الفقر شعار المؤمن " وقال الله تعالى لموسى: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين. وفى الحديث " إن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم احشرني في زمرة الفقراء ". ولذلك أرسل الله محمدا صلى الله عليه وآله فقيرا وكان بالفقر سعيدا، فقاسى محنة الفقر ومكابدة الجوع، حتى شد الحجر على بطنه. وحسبك بالفقر فضيلة في دين الله لمن صبر عليه، فإنك لا تجد صاحب الدنيا يتمناه، لأنه مناف لحال الدنيا وأهلها، وإنما هو شعار أهل الآخرة.