عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤٧٦
فأمرني أمير المؤمنين بطلب جبرائيل ليحضر أكله على عادته في ذلك فلم أدع منزلا من منازل الولد ومن كان يدخل إليه جبرائيل من الحرم إلا طلبته فيه ولم أقع له على أثر فأعلمت أمير المؤمنين بذلك فطفق يلعنه ويقذفه إذ دخل عليه جبرائيل والرشيد على تلك الحال من قذفه ولعنه فقال له لو اشتغل أمير المؤمنين بالبكاء على ابن عمه إبراهيم بن صالح وترك ما فيه من تناولي بالسب كان أشبه فسأله عن خبر إبراهيم فأعلمه أنه خلفه وبه رمق ينقضي بآخرة وقت صلاة العتمة فاشتد جزع الرشيد لما أخبره به وأقبل على البكاء وأمر برفع الموائد فرفعت وكثر ذلك منه حتى رحمه مما نزل به جميع من حضر فقال جعفر بن يحيى يا أمير المؤمنين إن طب جبرائيل طب رومي وصالح بن بهلة الهندي في العلم بطريقة أهل الهند في الطب مثل جبرائيل في العلم بمقالات الروم فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإحضاره وتوجيهه إلى إبراهيم بن صالح لنفهم عنه ما يقول مثل ما فهمنا عن جبرائيل فعل فأمر الرشيد جعفرا بإحضاره وتوجيهه والمصير به إليه ورده بعد منصرفه من عنده ففعل ذلك جعفر ومضى صالح إلى إبراهيم حتى عاينه وجس عرقه وصار إلى جعفر وسأله عما عنده من العلم فقال لست أخبر بالخبر غير أمير المؤمنين فاستعمل جعفر مجهوده بصالح أن يخبره بجملة من الخبر فلم يجبه إلى ذلك ودخل جعفر على الرشيد فأخبره بحضور صالح وامتناعه عن إخباره بما عاين فأمر بإحضار صالح فدخل ثم قال يا أمير المؤمنين أنت الإمام وعاقد ولاية القضاء للحكام ومهما حكمت به لم يجز لحاكم فسخه وأنا أشهدك يا أمير المؤمنين وأشهد على نفسي من حضرك أن إبراهيم ابن صالح إن توفي في هذه الليلة أو في هذه العلة أن كل مملوك لصالح بن بهلة أحرار لوجه الله وكل دابة له فحبيس في سبيل الله وكل مال له فصدقة على المساكين وكل امرأة له فطالق ثلاثا بتاتا فقال له الرشيد حلفت ويحك يا صالح على غيب فقال صالح كلا يا أمير المؤمنين إنما الغيب ما لا علم لأحد به ولا دليل له عليه ولم أقل ما قلت إلا بعلم واضح ودلائل بينة قال أحمد بن رشيد قال لي أبو سلمة فسري عن الرشيد ما كان يجد وطعم واحضر له الشراب فشرب ولما كان وقت صلاة العتمة ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام يخبر بوفاة إبراهيم بن صالح على الرشيد فاسترجع وأقبل على جعفر بن يحيى باللوم في إرشاده إياه إلى صالح بن بهلة وأقبل يلعن الهند وطبهم ويقول واسوءتاه من الله أن يكون ابن عمي يتجرع غصص الموت وأنا أشرب النبيذ ثم دعا برطل من النبيذ بالماء وألفى فيه شيئا من ملح وأخذ يشرب ويتقيأ حتى قذف ما كان في جوفه من طعام وشراب وبكر إلى دار إبراهيم فقصد خدمه بالرشيد إلى رواق على مجالس لإبراهيم على يمين الرواق ويساره فراشان بكراسيهما ومتكئاتهما ومساندهما وفيما بين الفراشين نمارق فاتكأ الرشيد على سيفه ووقف وقال لا يحسن الجلوس في المصيبة بالأحبة من الأهل على أكثر من البسط ارفعوا هذه الفرش والنمارق ففعل ذلك الفراشون وجلس الرشيد على البساط فصارت سنة لبني العباس من ذلك اليوم ولم تكن قبله ووقف صالح بن بهلة بين يدي الرشيد فلم يناطقه أحد إلى أن سطعت روائح المجامر فصاح عند ذلك صالح الله الله يا أمير المؤمنين أن تحكم علي بطلاق زوجتي فتنزعها وتزوجها
(٤٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 471 472 473 474 375 476 477 478 479 480 481 ... » »»