عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤١٥
عند دخوله مدينة السلام بغداد دخل إلى البيمارستان العضدي ليشاهده فاتفق له أن ظفر برجل شيخ صيدلاني البيمارستان فسأله عن الأدوية ومن كان المظهر لها في البدء فأجابه بأن قال إن أول ما عرف منها كان حي العالم وكان سببه أفلولن سليلة أسقليبيوس وذلك أن أفلولن كان به ورم حار في ذراعه مؤلم ألما شديدا فلما أشفي منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر فأمر غلمانه فحملوه إلى شاطئ نهر كان عليه هذا النبات وأنه وضعه عليه تبردا به فخف ألمه بذلك فاستطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعل مثل ذلك فبرأ فلما رأى الناس سرعة برئه وعلموا أنه إنما كان بهذا الدواء سموه حياة العالم وتداولته الألسن وخففته فسمي حي العالم فلما سمع الرازي ذلك أعجب به ودخل تارة أخرى إلى هذا البيمارستان فرأى صبيا مولودا بوجهين ورأس واحد فسأل الأطباء عن سبب ذلك فأخبر به فأعجبه ما سمع ولم يزل يسأل عن شيء شيء ويقال له وهو يعلق بقلبه حتى تصدى لتعلم الصناعة وكان منه جالينوس العرب هذه حكاية أبي سعيد وقال بعضهم إن الرازي كان في جملة من اجتمع على بناء هذا البيمارستان العضدي وأن عضد الدولة استشاره في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه المارستان وأن الرازي أمر بعض الغلمان أن يعلق في كل ناحية من جانبي بغداد شقة لحم ثم اعتبر التي لم يتغير ولم يسهك فيها اللحم بسرعة فأشار بأن ببني في تلك الناحية وهو الموضع الذي بني فيه البيمارستان وحدثني كمال الدين أبو القاسم بن أبي تراب البغدادي الكاتب أن عضد الدولة لما بنى البيمارستان العضدي المنسوب إليه قصد أن يكون فيه جماعة من أفاضل الأطباء وأعيانهم فأمر أن يحضروا له ذكر الأطباء المشهورين حينئذ ببغداد وأعمالها فكانوا متوافرين على المائة فاختار منهم نحو خمسين بحسب ما علم من جودة أحوالهم وتمهرهم في صناعة الطب فكان الرازي منهم ثم إنه اقتصر من هؤلاء أيضا على عشرة فكان الرازي منهم ثم اختار من العشرة ثلاثة فكان الرازي أحدهم ثم أنه ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم فجعله ساعور البيمارستان العضدي أقول والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة بن بويه وإنما كان تردده إلى البيمارستان من قبل أن يجدده عضد الدولة وللرازي كتاب في صفات البيمارستان وفي كل ما كان يجده من أحوال المرضى الذين كانوا يعالجون فيه وقال عبيد الله بن جبرئيل أنه لما عمر عضد الدولة البيمارستان الجديد الذي على طرف الجسر من الجانب الغربي من بغداد كانت الأطباء الذين جمعهم فيه من كل موضع وأمر الراتب منه أربعة وعشرون طبيبا وكان من جملتهم أبو الحسن علي بن إبراهيم بن بكس وكان دأبه أن يدرس فيه الطب لأنه كان محجوبا وكان منهم أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان وأبو يعقوب
(٤١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 ... » »»