وقال في ذم مغن (لنا مغن إن شدا * تدفننا ثلوجه) (فموتنا خروجه * وبعثنا خروجه) الرجز أوحد الزمان أبو البركات هبة الله بن علي ملكا البلدي لأن مولده ببلد ثم أقام ببغداد كان يهوديا وأسلم بعد ذلك وكان في خدمة المستنجد بالله وتصانيفه في نهاية الجودة وكان له اهتمام بالغ في العلوم وفطرة فائقة فيها وكان مبدأ تعلمه صناعة الطب أن أبا الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسين كان من المشايخ المتميزين في صناعة الطب وكان له تلاميذ عدة يتناوبونه في كل يوم للقراءة عليه ولم يكن يقرئ يهوديا أصلا وكان أبو البركات يشتهي أن يجتمع به وأن يتعلم منه وثقل عليه بكل طريق فلم يقدر على ذلك فكان يتخادم للبواب الذي له ويجلس في دهليز الشيخ بحيث يسمع جميع ما يقرأ عليه و ما يجري معه من البحث وهو كلما سمع شيئا تفهمه وعلقه عنده فلما كان بعد مدة سنة أو نحوها جرت مسألة عند الشيخ وبحثوا فيها فلم يتجه لهم عنها جواب وبقوا متطلعين إلى حلها فلما تحقق ذلك منهم أبو البركات دخل وخدم الشيخ وقال يا سيدنا عن أمر مولانا أتكلم في هذه المسألة فقال قل إن كان عندك فيها شيء فأجاب عنها بشيء من كلام جالينوس وقال يا سيدنا هذا جرى في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني في ميعاد فلان وعلق بخاطري من ذلك اليوم فبقي الشيخ متعجبا من ذكائه وحرصه واستخبره عن الموضع الذي كان يجلس فيه فأعلمه به فقال من يكون بهذه المثابة ما نستحل أن نمنعه من العلم وقربه من ذلك الوقت وصار من أجل تلاميذه ومن نوادر أوحد الزمان في المداواة أن مريضا ببغداد كان قد عرض له علة الماليخوليا وكان يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه أبدا فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة ويمشي برفق ولا يترك أحدا يدنو منه حتى لا يميل الدن أو يقع عن رأسه وبقي بهذا المرض مدة وهو في شدة منه وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به وأنهى أمره إلى أوحد الزمان ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية فقال لأهله إذا كنت في الدار فأتوني به ثم إن أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل إليه وشرع في الكلام معه وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما إنه يسارع بخشبة كيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه وأوصى غلاما آخر وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس صاحب الماليخوليا أن يرمي الدن الذي عنده
(٣٧٤)