قال أبو إسحق الصابئ الكاتب إن ثابتا كان يمشي مع المعتضد في الفردوس وهو بستان في دار الخليفة للرياضة وكان المعتضد قد اتكأ على يد ثابت وهما يتماشيان ثم نتر المعتضد يده من يد ثابت بشدة ففزع ثابت فإن المعتضد كان مهيبا جدا فلما نتر يده من يد ثابت قال له يا أبا الحسن وكان في الخلوات يكنيه وفي الملأ يسميه سهوت ووضعت يدي على يدك واستندت عليها وليس هكذا يجب أن يكون فإن العلماء يعلون ولا يعلون ونقلت من كتاب الكنايات للقاضي أبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني قال حدثني أبو الحسن هلال بن المحسن بن إبراهيم قال حدثني جدي أبو إسحق الصابئ قال حدثني عمي أبو الحسين ثابت بن إبراهيم قال حدثني أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي قال سألت أبا الحسن ثابت بن قرة عن مسألة بحضرة قوم فكره الإجابة عنها بمشهدهم وكنت حديث السن فدافعني عن الجواب فقلت متمثلا (ألا ما لليل لا ترى عند مضجعي * بليل ولا يجري بها لي طائر) (بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت * بليلي ولكن ليس للطير زاجر) الطويل فلما كان من غد لقيني في الطريق وسرت معه فأجابني عن المسألة جوابا شافيا وقال زجرت الطير يا أبا محمد فأخجلني فاعتذرت إليه وقلت والله يا سيدي ما أردتك بالبيتين ومن بديع حسن تصرف ثابت بن قرة في المعالجة ما حكاه أبو الحسن ثابت بن سنان قال حكى أحد أجدادي عن جدنا ثابت بن قرة أنه اجتاز يوما ماضيا إلى دار الخليفة فسمع صياحا وعويلا فقال مات القصاب الذي كان في هذا الدكان فقالوا له أي والله يا سيدنا البارحة فجأة وعجبوا من ذلك فقال ما مات خذوا بنا إليه فعدل الناس معه إلى الدار فتقدم إلى النساء بالإمساك عن اللطم والصياح وأمرهن بأن يعملن مزورة وأومأ إلى بعض غلمانه بأن يضرب القصاب على كعبه بالعصا وجعل يده في مجسه وما زال ذلك يضرب كعبه إلى أن قال حسبك واستدعى قدحا وأخرج من شستكة في كمه دواء فدافه في القدح بقليل ماء وفتح فم القصاب وسقاه إياه فأساغه ووقعت الصيحة والزعقة في الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميت فتقدم ثابت بغلق الباب والاستيثاق منه وفتح القصاب عينه وأطعمه مزورة وأجلسه وقعد عنده ساعة وإذا بأصحاب الخليفة قد جاءوا يدعونه فخرج معهم والدنيا قد انقلبت والعامة حوله يتعادون إلى أن دخل دار الخلافة ولما مثل بين يدي الخليفة قال له يا ثابت ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك قال يا مولاي كنت اجتاز على هذا القصاب وألحظه يشرح الكبد ويطرح عليها الملح ويأكلها فكنت أستقذر فعله أولا ثم أعلم أن سكتة ستلحقه فصرت أراعيه وإذ علمت عاقبته انصرفت وركبت للسكتة
(٢٩٦)