معجم البلدان - الحموي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٧
هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر، ثم حلف لامها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وحكى الجاحظ في كتاب البلدان قال: قال بعض السلف ما يجوز أن يكون أحد أشد شوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرونه من حسن مسجدهم، وهو مبني على الأعمدة الرخام طبقتين، الطبقة التحتانية أعمدة كبار والتي فوقها صغار في خلال ذلك صورة كل مدينة وشجرة في الدنيا بالفسيفساء الذهب والأخضر والأصفر، وفي قبليه القبة المعروفة بقبة النسر، ليس في دمشق شئ أعلى ولا أبهى منظرا منها، ولها ثلاث منائر إحداها، وهي الكبرى، كانت ديدبانا للروم وأقرت على ما كانت عليه وصيرت منارة، ويقال في الاخبار: إن عيسى، عليه السلام، ينزل من السماء عليها، ولم يزل جامع دمشق على تلك الصورة يبهر بالحسن والتنميق إلى أن وقع فيه حريق في سنة 461 فأذهب بعض بهجته، وهذا ما كان في صفته، قال أبو المطاع بن حمدان في وصف دمشق:
سقى الله أرض الغوطتين وأهلها، فلي بجنوب الغوطتين شجون وما ذقت طعم الماء إلا استخفني إلى بردى والنيربين حنين وقد كان شكي في الفراق يروعني، فكيف أكون اليوم وهو يقين؟
فوالله ما فارقتكم قاليا لكم، ولكن ما يقضى فسوف يكون وقال الصنوبري:
صفت دنيا دمشق لقاطنيها، فلست ترى بغير دمشق دنيا تفيض جداول البلور فيها خلال حدائق ينبتن وشيا مكللة فواكههن أبى ال‍ مناظر في مناظرنا وأهيا فمن تفاحة لم تعد خدا، ومن أترجة لم تعد ثديا وقال البحتري:
أما دمشق فقد أبدت محاسنها، وقد وفى لك مطريها بما وعدا إذا أردت ملأت العين من بلد مستحسن وزمان يشبه البلدا يمسي السحاب على أجبالها فرقا، ويصبح النبت في صحرائها بددا فلست تبصر إلا واكفا خضلا، أو يانعا خضرا أو طائرا غردا كأنما القيظ ولى بعد جيئته، أو الربيع دنا من بعد ما بعدا وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النقار يمدح دمشق:
سقى الله ما تحوي دمشق وحياها، فما أطيب اللذات فيها وأهناها!
نزلنا بها واستوقفتنا محاسن يحن إليها كل قلب ويهواها لبسنا بها عيشا رقيقا رداؤه، ونلنا بها من صفوة اللهو أعلاها وكم ليلة نادمت بدر تمامها تقضت، وما أبقت لنا غير ذكراها فآها على ذاك الزمان وطيبه، وقل له من بعده قولتي واها!
(٤٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 ... » »»