معجم البلدان - الحموي - ج ٢ - الصفحة ٤٠٢
فلما رأى البنيان تم سحوقه، وآض كمثل الطود والشامخ الصعب فظن سنمار به كل حبوة، وفاز لديه بالمودة والقرب فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه!
فهذا، لعمر الله، من أعجب الخطب وقد ذكرها كثير منهم وضربوا سنمار مثلا، وكان النعمان هذا قد غزا الشام مرارا وكان من أشد الملوك بأسا، فبينما هو ذات يوم جالس في مجلسه في الخورنق فأشرف على النجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب وعلى الفرات مما يلي المشرق والخورنق مقابل الفرات يدور عليه على عاقول كالخندق فأعجبه ما رأى من الخضرة والنور والأنهار فقال لوزيره: أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه؟
فقال: لا والله أيها الملك ما رأيت مثله لو كان يدوم!
قال: فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في الآخرة، قال: فبم ينال ذلك؟ قال: بترك هذه الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده، فترك ملكه في ليلته ولبس المسوح وخرج مختفيا هاربا، ولا يعلم به أحد ولم يقف الناس على خبره إلى الآن، فجاؤوا بابه بالغداة على رسمهم فلم يؤذن لهم عليه كما جرت العادة، فلما أبطأ الاذن أنكروا ذلك وسألوا عن الامر فأشكل الامر عليهم أياما ثم ظهر تخليه من الملك ولحاقه بالنسك في الجبال والفلوات، فما رؤي بعد ذلك، ويقال: إن وزيره صحبه ومضى معه، وفي ذلك يقول عدي بن زيد:
وتبين رب الخورنق، إذ أشرف يوما، وللهدى تفكير سره ما رأى وكثرة ما يملك والبحر، معرضا، والسدير فارعوى قلبه وقال: فما غبطة حي إلى الممات يصير!
ثم بعد الفلاح والملك والأمة وارتهم هناك القبور ثم صاروا كأنهم ورق جف ، فألوت به الصبا والدبور وقال عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة عند غلبة خالد ابن الوليد على الحيرة في خلافة أبي بكر، رضي الله عنه:
أبعد المنذرين أرى سواما تروح بالخورنق والسدير تحاماه فوارس كل حي، مخافة ضيغم عالي الزئير فصرنا، بعد هلك أبي قبيس، كمثل الشاء في اليوم المطير تقسمنا القبائل من معد كأنا بعض أجزاء الجزور وقال ابن الكلبي: صاحب الخورنق والذي أمر ببنائه بهرام جور بن يزد جرد بن سابور ذي الأكتاف، وذلك أن يزدجرد كان لا يبقى له ولد وكان قد لحق ابنه بهرام جور في صغره علة تشبه الاستسقاء فسأل عن منزل مرئ صحيح من الأدواء والأسقام ليبعث بهرام إليه خوفا عليه من العلة، فأشار عليه أطباؤه أن يخرجه من بلده إلى أرض العرب ويسقى أبوال الإبل وألبانها، فأنفذه إلى النعمان وأمره أن يبني له قصرا مثله على شكل بناء الخورنق، فبناه له وأنزله إياه وعالجه حتى برأ من مرضه، ثم استأذن أباه في
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»