قال: وكان قد تلا على البوادي كلاما ذكر أنه قرآن أنزل عليه، وكانوا يحكون عنه سورا منها: (والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، امض على سنتك، واقف أثر من كان قبلك، من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله). قال: وهي طويلة.
وقال أبو علي بن أبي حامد: قال لي أبي: لولا جهله أين قوله: ﴿امض على سنتك) إلى آخر الكلام من قوله الله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين﴾ (1) إلى آخرها وهل تتقارب الفصاحة فيهما أو يشبه الكلامان.
وقيل: إنما قيل له المتنبي لبيت من الشعر قال، وهو:
أنا في أمة تداركها الله * غريب كصالح في ثمود وكان قد طلب الأدب وعلم العربية ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر من حداثته حتى بلغ فيه الغاية التي فاق فيها أهل عصره، وعلا شعراء وقته، واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة وانقطع إليه، وأكثر القول في مدحه، ثم مضى إلى مصر فمدح بها كافورا الخادم، وأقام هنالك مدة ثم خرج من مصر وورد العراق، ودخل بغداد وجالس بها أهل الأدب، وقرئ عليه ديوان شعره.
وكان السيد أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي الزيدي يقول: كان المتنبي، وهو صبي، ينزل في جواري بالكوفة، وكان أبوه يعرف بعبدان السقاء، يسقي لنا ولأهل المحلة، ونشأ هو محبا للعلم والأدب فطلبه وصحب الاعراب في البادية، فجاءنا بعد سنين بدويا قحا، وان قد تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والأدب، وأكثر من ملازمة الوراقين فكان علمه من دفاترهم، وكان إذا نظر في ثلاثين ورقة حفظها بنظرة واحدة.
وكان والد المتنبي جعفيا وأمه همدانية صحيحة النسب، كانت من صلحاء النساء الكوفيات.
وسئل المتنبي عن نسبه فقال: أنا رجل أحفظ القبائل وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بمطالبة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني.