الأنساب - السمعاني - ج ٤ - الصفحة ٤٣١
قال أبو حاتم بن حبان: انتقل أبو البختري القاضي في آخر عمره إلى صيدا، مدينة على الساحل، قد دخلتها وكان ممن يضع الحديث على الثقات، كان إذا جنه الليل سهر عامة ليله يتذكر الحديث ويضعه، ثم يكتبه ويحدث به، لا تجوز الرواية عنه، ولا يحل كتبة حديثه إلا على جهة التعجب، وكان يحيى بن معين يقول: أبو البختري كذاب، يصنع الحديث.
وأبو موسى عيسى بن أبان بن صدقة القاضي، من أهل بغداد، صحب محمد بن الحسن الشيباني، وتفقه به، واستخلفه يحيى بن أكثم على القضاء بعسكر المهدي، وقت خروج يحيى بن أكثم مع المأمون إلى فم الصلح (1)، فلم يزل على عمله إلى أن رجع يحيى، ثم تولى عيسى القضاء بالبصرة، فلم يزل عليه حتى مات. وأسند الحديث عن إسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ومحمد الحسن، وغيرهم. روى عنه الحسن بن سلام السواق.
قال محمد بن سماعة: كان عيسى بن أبان حسن الوجه، وكان يصلي معنا، وكنت أدعوه أن يأتي محمد بن الحسن، فيقول: هؤلاء قوم يخالفون الحديث. وكان عيسى حسن الحفظ للحديث، فصلى معنا يوما الصبح، وكان يوم مجلس محمد، فلم أفارقه حتى جلس في المجلس، فلما فرغ محمد أدنيته إليه، وقلت: هذا ابن أخيك أبان ابن صدقة الكاتب ومعه ذكاء ومعرفة بالحديث، وأنا أدعوه إليك فيأبى، ويقول: إنا نخالف الحديث. فأقبل عليه وقال: يا بني، ما الذي رأيتنا نخالفه من الحديث؟ لا تشهد علينا حتى تسمع منا.
فسأله يومئذ عن خمسة وعشرين بابا من الحديث، فجعل محمد بن الحسن يجيبه عنه، ويخبره بما فيها من المنسوخ، ويأتي بالشواهد والدلائل، والتفت إلي بعد ما خارجنا فقال:
كان بيني وبين النور ستر فارتفع عني، ما ظننت أن في ملك الله مثل هذا الرجل يظهره للناس. ولزم محمد بن الحسن لزوما شديدا حتى تفقه.
قال أبو حازم القاضي: ما رأيت أهل بغداد حدثا أذكى من عيسى بن أبان، وبشر بن الوليد. وقال أبو حازم: كان عيسر رجلا سخيا جدا، وكان يقول: والله لو أتيت برجل يفعل في ماله كفعلي في مالي لحجرت عليه. قال: وقدم إليه رجل محمد بن عباد المهلبي، فأدعي على أربعمائة دينار، فسأله عيسى عما ادعى عليه، فأقر له بذلك، فقال له الرجل:

(١) سقط من: ك، والصلح نهر كبير فوق واسط، بينهما وبين الجبل، عليه عدة قرى، وفيه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون، وفيه بنى المأمون ببوران. معجم البلدان ٣ / 917.
(٤٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 ... » »»