قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: ولقد حضرت عشية الجمعة مجلس الاملاء للحاكم أبي الفضل ودخل علي بن أبي بكر بن المظفر الأمير، فقام له قائما ولم يتحرك من مكانه ورده من باب الصفة وقال: انصرف أيها الأمير، فليس هذا يومك! قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع: وسمعت أبا العباس المصري - وكان من الملازمين لبابه - يقول: دعا الحاكم يوما بالبواب والمرتب وصاحب السر فقال لثلاثتهم: إن الشيخ الجليل يقول قد تقدمت إليكم غير مرة بأن لا تحجبوا عني بالغدوات والعشيات أحدا من أهل العلم الرحالة المرقعات والأثواب الرثة، واحجبوا الفرسان وأصحاب الأموال، وأنتم - لأطماعكم الكاذبة - تأذنون للأغنياء، وتحجبون عني الغرباء لرثاثتهم، فلئن عدتم لذلك نكلت بكم.
وحكى ابن الحاكم الشهيد أنه لم يزل يدعو في صلاته وأعقابها بدعوات ثم يقول:
" اللهم ارزقني الشهادة " إلى أن سمع عشية الليلة التي قتل من غدها جلبة وصوت السلاح، فقال: ما هذا؟ وقالوا: غاغة العسكر قد اجتمعوا يؤلبون ويلزمون الحاكم الذنب في تأخير أرزاقهم عنهم، فقال: اللهم اغفر، ثم دعا بالحلاق فحلق رأسه، وسخن له الماء في مضربه (1) ذلك، فتنور ونظف نفسه، واغتسل، ولبس الكفن، ولم يزل طول ليلته تلك يصلي، فأصبح وقد اجتمعوا إليه، فبعث السلطان إليهم يمنعهم عنه، فخذلوا أصحاب السلطان، وكبسوا الحاكم، فقتلوه وهو ساجد! رحمه الله، واستشهد الحاكم على باب مرو في مضربه، وقد اغتسل ولبس الكفن وصلى صلاة الصبح، والكتب بين يديه وهو يصنف بضوء الشمع، في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. وكان رحمه الله حفظ ستين ألف حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصانيفه تدل على فضله، ك " الكافي " و " المنتقى " و " شرح الجامع " و " أصول الفقه ". وقيل: لما اختصر كتاب " الكافي " الذي صنفه الامام الرباني محمد بن الحسن الشيباني رآه في المنام فقال له محمد: مزق الله جلدك كما مرقت كتابي. فاستجاب الله دعاء محمد بن الحسن عليه، فاستشهد في آخر عمره. ويقال: أن " رجلا " رأى ليلة في المنام نارا نزلت من السماء على قبر الحاكم الشهيد، فجاء كتاب " الكافي " وصار برزخا بين القبر والنار حتى رجعت النار.
و [القاضي الامام الشهيد] أبو نصر المحسن بن أحمد بن المحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى بن خالد بن يزيد بن الحسين الخالدي المروزي المعروف بالقاضي الشهيد كان من أئمة أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ومشاهيرهم في الحديث والفقه والتاريخ والحساب، من سكة رازاباد من سكك مرو، سجن وهرب، سمع بمرو أبا الفضل محمد بن