وأبو الفضل محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المجيد بن إسماعيل بن الحاكم " الشهير بالحاكم " المروزي السلمي ثم الحنفي، الوزير الحاكم الشهيد، عالم مرو، والامام لأصحاب أبي حنيفة رحمه الله في عصره، وكتخداي صاحب خراسان وأستاذه، قد كان لما قلد قضاء بخارى يختلف إلى الأمير الحميد فيدرسه الفقه، فلما صارت الولاية إليه قلده أزمة الأمور كلها، وكان يمتنع عن اسم الوزارة، ولم يزل الأمير الحميد به إلى أن تقلدها، سمع بمرو أبا رجاء محمد بن حمدويه الهورقاني، ويحيى بن ساسويه الذهلي، ومحمد بن عصام بن سهيل حمك، وبنيسابور عبد الله بن شيرويه، وبالري إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، وببغداد الهيثم بن خلف الدوري، وأبا عبد الله أحمد بن الحسن الصوفي، وبالكوفة علي بن العباس البجلي، وبمكة المفضل بن محمد الجندي، وبمصر علي بن أحمد بن سليمان المصري، وببخارى محمد بن سعيد النوجاباذي وأبا القاسم حماد بن أحمد بن حماد، والحسن بن سفيان النسوي، وعبد الله بن محمود السعدي وطبقتهم، سمع مشايخ خراسان قاطبة وأئمتها من الحاكم الشهيد. وقال الحاكم أبو أحمد الحافظ: الحاكم الشهيد كتب الحديث على رسمنا لا على رسم المتفقهة، وكان يحفظ الفقهيات التي يحتاج إليها، ويتكلم على الحديث، قلت لأبي أحمد: كان يبلغنا أن ذلك الكلام كلامك على كتبه؟ فقال: لا والله إلا كلامه ونتيجة فهمه، وأما أنا فجمعت له حديث أبي حمزة السكري، وإبراهيم بن ميمون الصائغ، وجماعة من شيوخ المراوزة.
وذكر أبو عبد الله بن الحاكم الشهيد قال: عهدت الحاكم وهو يصوم يوم الاثنين والخميس، ولا يدع صلاة الليل في السفر والحضر، ولا يدع التصنيف في السفر والحضر، وكان يقعد والسفط والكتب والمحبرة بين يديه وهو وزير السلطان، فيؤذن لمن لا يجد له بدا من الاذن، ثم يشتغل بالتصنيف فيقوم الداخل، ولقد شكاه أبو العباس بن حموية قال:
ندخل عليه ولا يكلمنا، ويأخذ القلم بيده ويدعنا ناحية!