الأعلام - خير الدين الزركلي - ج ٧ - الصفحة ١٥٩
وإنما قدمه للعرش توهم الفرنسيين فيه الانقياد إليهم، لهدوء طبعه وصغر سنه، فعكف على الدرس، يأخذ عمن في قصره من العلماء والتفت إلى إصلاح معهد القرويين (بفاس) وتنظيم خزانته وترميم بعض المساجد، وأنشأ مدارس، منها كلية ابن يوسف بمراكش. ولما اكتمل شبابه اتصل في الخفاء بأهل الوعي من حملة الفكرة التحررية في بلاده، متجاوبا معهم في نجواهم وشكواهم. وأصدر الفرنسيون سنة 1930 ما يسمى (الظهير البربري) جاعلا للبربر حق التقاضي على أساس العرف عندهم والعادات، إبعادا لهم عن محاكم سائر المسلمين. فكانت احتجاجات المغاربة عليه، عربا وبرابر، أول مظاهر اليقظة العامة في المغرب وتألفت (كتلة العمل الوطني) وبرز حزب (الاستقلال) فكان محمد الخامس ممن أقسم له اليمين سرا، وكتم ذلك فلا أعلم أن أحدا أذاعه قبل كتابة هذه الترجمة.
وتعددت الخلايا السرية وقدمت عريضة المطالبة بالاستقلال (1944) مذيلة بتوقيعات 64 وطنيا. واشتد ضغط الفرنسيين، فملأوا السجون والمعتقلات.
ووجدوا أنفسهم أمام محمد الخامس يحرض عليهم وينصر المطالبين بجلائهم ويمتنع عن إمضاء ما يعرضون عليه من مراسيم، فخلعوه (20 أغسطس 1953) وطاروا به إلى جزيرة اجاكسيوكورسيكا، ثم إلى مدغشكر، ونصبوا على العرش صنيعة لهم من الأسرة العلوية عرف بابن عرفة. وثار المغرب حواضره وبواديه مدة سنتين، فعاد الفرنسيون إلى مفاوضة محمد الخامس في منفاه، وأخرجوا ابن عرفة إلى طنجة. وهبطت (يوم 16 نوفمبر 1956) طائرة فرنسية في مطار سلا (المجاور للرباط) تحمل ملك البلاد الشرعي محمد الخامس. وبدأ عهد التنظيم وتصفية مخلفات الاستعمار، فأعلن استقلال المغرب (يوم 3 مارس 1956) وزار إسبانيا فاتفق مع حكومتها على أن تعترف باستقلال المغرب ووحدة ترابه، وأدخل المغرب في الأمم المتحدة. وربط بلاده بعلاقات سياسية واقتصادية مع أكثر دول العالم. وكان يدور في سياسته حول دول الغرب (أميركا ومن معها) فمدت إليه الدول الاشتراكية يدها فتعاون معها متحفظا بحسن صلاته بالأولى.
وكان لمدينة طنجة نظام دولي يفصلها عن المغرب، فألغي ذلك النظام في عهده وأدخل بلاده في جامعة الدول العربية.
وزار المشرق فدخل مكة معتمرا (سنة 1960) وكان يعاني آلاما تحت أذنه اليسرى تغاديه وتراوحه بضعة أعوام فأجريت له جراحة في قصره بالرباط توقفت على أثرها حركة قلبه. ومما كتب في سيرته (نضال ملك - ط) جزآن منه، لمحمد الرشيد ملين، و (المغرب ملكا وشعبا - ط) لعبد الكريم الفيلالي.
وأفضل ما تعرف منه آراؤه وأهدافه، مجموعة خطبه المسماة (انبعاث أمة - ط) خمسة أجزاء وليس من إنشائه وانما كان يملي على كتاب ديوانه الفكرة في المناسبات، وتكتب له بأسلوب محكم فيلقيها. وأبرز صفاته مع شعبه، الحلم واللين حتى في وقت الحاجة إلى الشدة. ومن خلقه الاكثار من الاستشارة والتردد قبل البت ولقد غمر الأحد عشر مليونا من المغاربة حبه والوثوق به وبكل ما يصدر عنه وكان الضمان الأكبر لاستقرار بلاده في نظر أبنائها وفى نظر الأجانب (1).
الكافي (1278 - 1380 ه‍ = 1861 - 1960 م) محمد بن يوسف بن محمد بن سعد الحيدري التونسي الكافي: فقيه من المالكية يرفع نسبه إلى الحسن السبط. ولد في مدينة الكاف (بتونس)، ورحل إلى بلاد المشرق واستقر في دمشق إلى أن توفى.
له رسائل صغيرة في الفقه والأدعية والعقائد.
من المطبوع منها: (الحصن والجنة على عقيدة أهل السنة) و (الأجوبة الكافية على الأسئلة الشامية) (2).

(1) المصادر المذكورة في الترجمة. ومذكرات المؤلف.
والأهرام 27 / 2 / 61 ودروس التاريخ المغربي الطبعة الثالثة 5: 196 - 218 وتاريخ المغرب لمحمد بن عبد السلام بن عبود 2: 146، 161، 192 وملوك المسلمين 381.
(2) التوسلات الكافية، المطبوع في دمشق سنة 1386 ه‍.
والخزانة التيمورية 4: 37.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»