البداء الذي يعتقده الامامية هو بالمعنى الذي لابد أن يعتقده كل من كان مسلما في مقابل اليهود القائلين بان الله تعالى قد فرغ من الامر وأنه لا يبدو منه شئ (يد الله مغلولة) أو من تبع أقاويل اليهود زاعما أنه تعالى أوجد جميع الموجودات وأحدثها دفعة واحدة لكنها متدرجات في البروز والظهور لا في الوجود والحدوث فلا يوجد منه شئ إلا ما أوجد أولا، أو كان معتقدا بالعقول والنفوس الفلكية قائلا انه تعالى أوجد العقل الأول وهو معزول عن ملكه يتصرف فيه سائر العقول، إذ لابد لكل مسلم أن ينفى هذه المقالات ويعتقد بأنه تعالى كل يوم في شان يعدم شيئا ويحدث آخر يميت شخصا ويوجد آخر يزيد وينقص يقدم ويؤخر يمحو ما كان ويثبت ما لم يكن من الأمور التكوينية، كما أنه ينسخ ما يشاء من الأحكام التكليفية ويرفعه ويثبت غيره من سائر الأحكام.
بما أن البداء منه تعالى باحداث ما لم يكن واظهار ما خفي في التكوينيات، وكذا نسخه في التكليفيات، يجريان على ما اقتضته الحكمة الآلهية وحسب ما أحاط به علمه من المصالح العامة، في محو شئ واثبات شئ وتغيير ما كان عليه أمر عما هو عليه تكوينا أو تكليفا، فلا يبدو منه تعالى إحداث وتغيير فيما قضى في علمه في اللوح المحفوظ بعدم التغيير وجرى عليه ذلك في تقديره الأزلي، ولا يظهر منه تعالى فيما قضي عليه خلاف ما هو عليه. والعلم بكون الشئ مما قضي عليه كذلك أو من غيره خاص بحضرته لا يطلع على غيبه أحد حتى أنبياؤه عليهم السلام إلا أن يصرح في الوحي إليهم بأنه المقتضي والمحتوم فهم يخبرون الأمة به كذلك كأخبارهم بظهور الحجة عليه السلام وحدوث الصيحة في السماء والخسف بالبيداء قبل ظهوره.