الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ١٨
والوسط، الخيار والعدول، فهم خير الأمم وأعدلهم في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونياتهم، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسول على أممهم يوم القيامة، والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه، ولهذا نوه بهم لرفع ذكرهم وأثنى عليهم، لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء، وأمر ملائكته أن تصلي عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم، والشاهد المقبول عند الله هو الذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستندا إلى علمه به، كما قال تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلون).
وقال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ويدخل في الخطاب الصحابي من باب أولى فلقد شهد بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر وقال تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي خذا ليكون الرسول شهيدا عليكم، وتكونوا شهداء على الناس) فأخبر تعالى أنه اجتباهم، والاجتباء كالاصطفاء، وهو افتعال من " اجتبى الشئ يجتبيه "، إذا ضمه إليه وحازه إلى نفسه، فهم المجتبون الذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين، ولهذا أمرهم تعالى ت أن يجاهدوا فيه حق جهاده ويبذلوا له أنفسهم ويفردوه بالنحبة والعبورية، ويختاروه وحده إلها معبودا محبوبا على كل ما سواه، كما اختارهم على من سواهم، فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم، فيؤثرونه في كل حال على من سواه كما اتخذهم فبيده وأولياءه وأحباءه، وآثرهم بذلك على من سواهم، ثم أخبرهم تعالى انه يسر عليهم دينه غاية التيسير، ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتة لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم، صم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم، وهي إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام، فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره، ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»