الموحدين بالأندلس، وذلك أنهم ابتلوا بالصلاح في الظاهر، والأعمال الفاسدة في الباطن، فأبغضهم الناس بغضا شديدا، وتربصوا بهم الدوائر، إلى أن نجم ابن هود في سنة خمس وعشرين وست مئة بشرق الأندلس فقام الناس كلهم بدعوته، وتعصبوا معه، وقاتلوا الموحدين في البلدان، وحصروهم في القلاع، وقهروهم، وقتلوا فيهم، ونصر على الموحدين، وخلصت الأندلس كلها له، وفرح الناس به فرحا عظيما، فلما تمهد أمره أنشأ غزوة للفرنج على مدينة ماردة بغرب الأندلس، واستدعى الناس من الأقطار، فانتدب الخلق له بجد واجتهاد وخلوص نية المرتزقة والمطوعة، واجتمع عليه أهل الأندلس كلهم، ولم يبق إلا من حبسه العذر، فدخل بهم إلى الإفرنج، فلما تراءى الجمعان وقعت الهزيمة على المسلمين أقبح هزيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكانت تلك الأرض مديسة بماء وعزق تسمرت فيها الخيل إلى آباطها، وهلك الخلق، وأتبعهم الفرنج بالقتل والأسر ولم يبق إلا القليل، ورجع ابن هود في أسوأ حال إلى إشبيلية، فنعوذ به من سوء المنقلب، فلم تبق بقعة من الأندلس إلا وفيها البكاء والصياح العظيم والحزن الطويل، فكانت إحدى هلكات الأندلس، فمقت الناس ابن هود، وصاروا يسمونه " المحروم " ولم يقدر أن يفعل مع الفرنج كبير فعل قط إلا مرة أخذ لهم غنما كثيرة جدا، ثم قام عليه شعيب بن هلالة بلبلة، فصالح ابن هود الأدفوش على محاصرة لبلة ومعاونته على أن يعطيه قرطبة، واتفقا على ذلك، وقال له: لا يسوغ أن يدخلها الفرنج على البديهة، وإنما تهمل أمرها، وتخليها من حرس، ووجه أنت الفرنج يتعلقون بأسوارها بالليل ويغدرون بها، ففعلوا كذلك. ووجه ابن هود إلى واليه بقرطبة فأعلمه بذلك وأمره بضياعها من حيز الشرقية فجاء الفرنج، فوجدوه خاليا، فجعلوا السلالم واستووا على السور فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(٢١)