الشافعي، وبنيت له دكة بجامع القصر للمناظرة، ووعظ، فكان له قبول تام، وأذن له في الدخول على الأمير أبي نصر محمد ابن الناصر في كل جمعة لسماع المسند بإجازته من الناصر والده فأنس به، فلما استخلف لقب بالظاهر فقلد القضاء أبا صالح سنة اثنتين وعشرين، فسار السيرة الحسنة، وسلك الطريقة المستقيمة، وأقام ناموس الشرع، ولم يحاب أحدا، ولا مكن من الصياح بين يديه، وكان يمضي إلى الجمعة ماشيا، ويكتب الشهود من دواته في المجلس، فلما استخلف المستنصر أقره أشهرا وعزله. وروى الكثير، وكان ثقة، متحريا، له في المذهب اليد الطولى، وكان لطيفا متواضعا، مزاحا كيسا، وكان مقداما رجلا من الرجال، سمعته يقول: كنت في دار الوزير القمي (1)، وهناك جماعة، إذ دخل رجل ذو هيئة، فقاموا له وخدموه، فقمت وظننته بعض الفقهاء، فقيل: هذا ابن كرم اليهودي عامل دار الضرب، فقلت له: تعال إلى هنا، فجاء، ووقف، فقلت: ويلك، توهمتك فقيها (2) فقمت إكراما لك، ولست - ويلك - عندي بهذه الصفة، ثم كررت ذلك عليه، وهو قائم يقول: الله يحفظك! الله يبقيك! ثم قلت له:
اخسأ هناك بعيدا عنا، فذهب.
قال: وحدثني أبو صالح أنه رسم له برزق من الخليفة، وأنه زار يومئذ قبر الإمام أحمد، فقيل لي: دفع رسمك إلى ابن توما النصراني، فامض إليه فخذه، فقلت: والله لا أمضي ولا أطلبه. فبقي ذلك الذهب عنده إلى أن قتل إلى لعنة الله في السنة الأخرى، وأخذ الذهب من داره فنفذ إلي.
توفي أبو صالح في سادس عشر شوال سنة ثلاث وثلاثين وست مئة،