فقلت له: أتعرف أبا عمران الفاسي؟ قال: نعم. فقلت له: صفه لي (1).
قال: هو بقال في سوق كذا، ويسكن سبتة، أكان يعرفني؟ فقال: لا.
فقال: لو لقيت آخر فسألته كما سألت الأول، فقال (2): أعرفه، يدرس العلم، ويفتي، ويسكن بغرب الشماط (3)، أكان يعرفني؟ قال: نعم.
قال: فكذلك الكافر قال: لربه صاحبة وولد، وأنه جسم، فلم يعرف الله ولا وصفه بصفته بخلاف المؤمن. فقالوا: شفيتنا. ودعوا له، ولم يخوضوا بعد في المسألة.
قلت: المشركون والكتابيون وغيرهم عرفوا الله تعالى بمعنى أنهم لم يجحدوه، وعرفوا أنه خالقهم، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) [الزخرف: 87] وقال: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) [إبراهيم: 10] فهؤلاء لم ينكروا البارئ، ولا جحدوا الصانع، بل عرفوه، وإنما جهلوا نعوته المقدسة، وقالوا عليه ما لا يعلمون، والمؤمن فعرف ربه بصفات الكمال، ونفى عنه سمات النقص في الجملة، وآمن بربه، وكف عما لا يعلم، فبهذا يتبين لك أن الكافر عرف الله من وجه، وجهله من وجوه، والنبيون عرفوا الله تعالى، وبعضهم أكمل معرفة الله، والأولياء فعرفوه معرفة جيدة، ولكنها دون معرفة الأنبياء، ثم المؤمنون العالمون بعدهم، ثم الصالحون دونهم. فالناس في معرفة ربهم متفاوتون، كما أن إيمانهم يزيد وينقص، بل وكذلك الأمة في الايمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق مثلا، ثم عدد