سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ٢٢٣
قال: وقد خرج على يديه تواقيع كثيرة: فلما مات أبو جعفر صارت النيابة إلى حسين هذا، فجلس في الدار، وحف به الشيعة، فخرج ذكاء الخادم، ومعه عكازة، ومدرج (1) وحقة، وقال له: إن مولانا قال: إذا دفنني أبو القاسم حسين، وجلس، فسلم إليه هذا، وإذا في الحق خواتيم الأئمة. ثم قام ومعه طائفة فدخل دار أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني (2)، وكثرت غاشيته حتى كان الامراء والوزراء يركبون إليه والأعيان، وتواصف الناس عقله وفهمه.
فروى علي بن محمد الأيادي، عن أبيه، قال: شاهدته يوما، وقد دخل عليه أبو عمر القاضي (3)، فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشفق عبرة عند المتورط، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه، فرأيت أبا عمر قد نظر إليه، ثم قال: من أين لك هذا؟ فقال: إن كنت قلت لك ما عرفته، فمسألتي من أين لك؟ فضول، وإن كنت لم تعرفه، فقد ظفرت بي. قال:
فقبض أبو عمر على يديه، وقال: لا بل والله أؤخرك ليومي أو لغدي. فلما خرج، قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجا قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا.
كاشفته بما لم أكاشف به غيره.
ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلى أن وزر حامد بن العباس، فجرت له معه خطوب يطول شرحها.
ثم سرد ابن أبي طي ترجمته في أوراق، وكيف أخذ وسجن خمسة

(1) مدرج: وهي الرقعة الملعونة كما في متن اللغة 2 / 396.
(2) نسبة إلى شلمغان. قرية من نواحي واسط. والشلمغاني هذا هو المعروف بابن أبي العزاقر. صاحب المذهب المشهور في الحلول، وقد قتل سنة / 322 / ه‍ انظر " اللباب ":
2 / 27، و " الكامل ": 8 / 290 - 294.
(3) محمد بن يوسف. قاضي القضاة. كان يضرب المثل بعقله وحلمه. توفي سنة / 320 / ه‍. له ترجمة في " تاريخ بغداد ": 3 / 401 - 405.
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»