سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ١٩٠
ابن عتبة، عن أبيه قال: " ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب " (1).
قلت: لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كتب شيئا، إلا ما في " صحيح البخاري " من أنه يوم صلح الحديبية كتب اسمه " محمد بن عبد الله " (2). واحتج بذلك القاضي أبو الوليد الباجي (1)، وقام عليه طائفة من فقهاء الأندلس بالانكار، وبدعوه حتى كفره بعضهم. والخطب يسير، فما خرج عن كونه أميا بكتابة اسمه الكريم، فجماعة من الملوك ما علموا من الكتابة سوى مجرد العلامة، وما عدهم الناس بذلك كاتبين، بل هم أميون، فلا عبرة بالنادر، وإنما الحكم للغالب، والله تعالى فمن حكمته لم يلهم نبيه تعلم الكتابة، ولا قراءة الكتب حسما لمادة المبطلين، كما قال تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) [العنكبوت: 48] ومع هذا فقد افتروا وقالوا: (أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه) [الفرقان: 5] فانظر إلى قحة المعاند، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلا. ثم ما المانع من تعلم النبي صلى الله عليه وسلم كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه، وقوة فهمه، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف، ثم هذا خاتمة في يده،

(1) إسناده ضعيف لضعف مجالد وهو ابن سعيد الهمداني الكوفي، وأورده الحافظ في " الفتح " 7 / 386 378 وقد تحرف فيه مجالد إلى مجاهد، ونسبه لابن أبي شيبة، وضعفه.
(2) انظر البخاري: 5 / 223 في الصلح: باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان، و 7 / 386 في المغازي: باب عمرة القضاء.
(3) هو الحافظ العلامة، سليمان بن خلف بن سعد التجيبي المالكي الأندلسي الباجي، كان من كبار علماء الأندلس وحفاظها، رحل إلى المشرق سنة ست وعشرين وأربع مئة، ثم عاد إلى وطنه بعد ثلاث عشرة سنة بعلم جم، وولي قضاء أماكن، وصنف التصانيف الكثيرة. ترجمه المؤلف في " التذكرة " 3 / 1178، وانظر في ترجمته أيضا " معجم الأدباء " 11 / 246 251، و " وفيات الأعيان " 2 / 408 409.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»