قلت: ما زلنا نسمع بهذا " التفسير " الكبير لأحمد على ألسنة الطلبة، وعمدتهم حكاية ابن المنادي هذه، وهو كبير قد سمع من جده وعباس الدوري، ومن عبد الله بن أحمد، لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا " التفسير "، ولا بعضه ولا كراسة منه، ولو كان له وجود، أو لشئ منه لنسخوه، ولاعتنى بذلك طلبة العلم، ولحصلوا ذلك، ولنقل إلينا، ولاشتهر، ولتنافس أعيان البغداديين في تحصيله، ولنقل منه ابن جرير فمن بعده في تفاسيرهم، ولا - والله - يقتضي أن يكون عند الإمام أحمد في التفسير مئة ألف وعشرون ألف حديث، فإن هذا يكون في قدر " مسنده "، بل أكثر بالضعف، ثم الإمام أحمد لو جمع شيئا في ذلك، لكان يكون منقحا مهذبا عن المشاهير، فيصغر لذلك حجمه، ولكان يكون نحوا من عشرة آلاف حديث بالجهد، بل أقل. ثم الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف، وهذا كتاب " المسند " له لم يصنفه هو، ولا رتبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نسخا وأجزاءا، ويأمره: أن ضع هذا في مسند فلان، وهذا في مسند فلان، وهذا " التفسير " لا وجود له، وأنا أعتقد أنه لم يكن، فبغداد لم تزل دار الخلفاء، وقبة الاسلام، ودار الحديث، ومحلة السنن ولم يزل أحمد فيها معظما في سائر الأعصار، وله تلامذة كبار، وأصحاب أصحاب، وهلم جرا إلى بالأمس، حين استباحها جيش المغول (1)، وجرت بها من الدماء سيول، وقد اشتهر ببغداد " تفسير " ابن جرير، وتزاحم على تحصيله العلماء، وسارت به الركبان، ولم نعرف مثله في معناه، ولا ألف قبله أكبر منه، وهو في عشرين مجلدة، وما يحتمل أن يكون عشرين ألف حديث، بل لعله خمسة عشر ألف إسناد، فخذه، فعده إن شئت.
(٥٢٢)