سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ٢٣٦
فقلت له: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قلت: إن لم تقضها فلا تغضب علي. قال: ليس قلبي في يدي. قلت: أمل علي. قال: لا أفعل.
علي بن سعيد النسوي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: منصور أثبت أهل الكوفة. ففي حديث الأعمش اضطراب كثير.
إسحاق بن راهويه: حدثنا وكيع، سمعت الأعمش يقول: لولا الشهرة، لصليت الفجر، ثم تسحرت (1).
قال عيسى بن يونس: أرسل الأمير عيسى بن موسى إلى الأعمش بألف درهم

(١) وحجته في ذلك، ما رواه النسائي ٤ / ١٤٢، وأحمد ٥ / ٤٠٠، وابن ماجة (١٦٩٥) من حديث عاصم، عن زر قال: قلت لحذيفة: " أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع ". ورجاله ثقات، إلا أن عاصم بن أبي النجود قد تفرد به.
وقد علق عليه أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: ١ / ٢١٩ - ٢٢٠ بقوله: " قيل: لا يثبت ذلك عن حذيفة وهو مع ذلك من أخبار الآحاد، فلا يجوز الاعتراض به على القرآن. قال تعالى: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فأوجب الصوم والامساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الذي هو بياض الفجر. وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحا لما حظرته الآية. وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديث عدى بن حاتم: " هو بياض النهار وسواد الليل ". فكيف يجوز الاكل نهارا في الصوم مع تحريم الله تعالى إياه في القرآن والسنة؟. ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يجز جواز الأكل في ذلك الوقت، لأنه لم يعز الاكل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت، لا عن النبي، فكونه مع النبي في وقت الاكل لا دلالة فيه على علم النبي بذلك منه وإقراره عليه ولو ثبت أنه علم بذلك، وأقره عليه، احتمل أن يكون ذلك في آخر الليل قرب طلوع النهار، فسماه نهارا لقربه منه. وقد قال العرباض بن سارية: " دعاني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: هلم إلى الغداء المبارك " فسمى السحور غداء لقربه منه، وكذلك لا يمتنع أن يكون حذيفة سمى الوقت الذي تسحر فيه نهارا لقربه من النهار. وقال أبو جعفر الطحاوي في " معاني الآثار " بعدما أورد حديث حذيفة: ففي هذا الحديث أنه أكل بعد طلوع الفجر، وهو يريد الصوم، ويحكي مثل ذلك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه، صلى الله عليه وسلم، خلاف ذلك. فقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم، قال: " إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " وأنه قال: " لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه إنما يؤذن لينتبه نائمكم، وليرجع قائمكم " ثم وصف الفجر بما قد وصفه به. فدل ذلك على أنه هو المانع للطعام والشراب وما سوى ذلك مما يمنع منه الصائم. فهذه الآثار التي ذكرنا مخالفة لحديث حذيفة. وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا - والله أعلم - أن يكون قبل نزول قوله تعالى:
(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل). ثم قال - بعد كلام -: فلا يجب ترك آية من كتاب الله تعالى نصا، وأحاديث رسول الله قد قبلتها الأمة، وعملت بها من لدن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى حديث قد يجوز أن يكون منسوخا بما ذكرناه في هذا الباب ".
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»