سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٥ - الصفحة ٥٦
وروى عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة، وما رأيت أحد ذهنا من القاسم، إن كان ليضحك من أصحاب الشبه كما يضحك الفتى.
وروى خالد بن نزار، عن ابن عيينة قال: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم وعروة وعمرة.
وقال جعفر بن أبي عثمان: سمعت يحيى بن معين يقول: عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة ترجمة مشبكة بالذهب.
وقال ابن عون: كان القاسم وابن سيرين ورجاء بن حياة يحدثون بالحديث على حروفه، وكان الحسن وإبراهيم والشعبي يحدثون بالمعاني (1).
يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: رأيت القاسم بن محمد يصلي، فجاء أعرابي فقال: أيما أعلم أنت أم سالم؟ فقال: سبحان الله، كل سيخبرك بما علم، فقال: أيكما أعلم؟ قال: سبحان الله، فأعاد، فقال: ذاك سالم، انطلق، فسله، فقام عنه. قال ابن إسحاق: كره أن يقول: أنا أعلم، فيكون تزكية، وكره أن يقول: سالم أعلم مني فيكذب. وكان القاسم أعلمهما.
قال ابن وهب: ذكر مالك القاسم بن محمد فقال: كان من فقهاء هذه

(1) جمهور العلماء سلفا وخلفا على جواز رواية الحديث بالمعنى إذا كان الراوي عالما بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها، وعليه العمل كما هو مشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجئ الألفاظ متعددة من وجوه مختلفة متباينة. وأكثر مرويات الصحابة والتابعين بالمعنى إلا فيما يتعبد بلفظه كالتشهد والقنوت والصلاة وما هو من جوامع حكمه صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يحرصون على روايته باللفظ النبوي. ثم إن هذا الخلاف لا يجري في الكتب المصنفة كالكتب الستة والمسانيد والمعاجم وغيرها، فليس لأحد أن يغير لفظ شئ من كتاب، ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه لان الرواية بالمعنى إنما رخص فيها من رخص حين كان الحرج شديدا على الرواة في ضبط الألفاظ، وهذا غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»