سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٤٦٤
يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت علي، أو استخففت بحقك، لم أخصك بهذا. فقال: قد فهمت. وانصرف.
فأتته الشيعة، فقالوا: ما قال لك؟ فأخبرهم. قالوا: ما نصح. فأقام وفيه بعض الاعتراض، والشيعة تختلف إليه، ويقولون: إنك شيخنا وأحق من أنكر، وإذا أتى المسجد، مشوا معه، فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث - وزياد بالبصرة -: ما هذه الجماعة؟ فقال للرسول:
تنكرون ما أنتم فيه؟ إليك وراءك أوسع لك. فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت له حاجة بالكوفة، فعجل. فبادر، ونفذ إلى حجر عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله، وخالد بن عرفطة، ليعذروا إليه، وأن يكف لسانه، فلم يجبهم، وجعل يقول: يا غلام! اعلف البكر. فقال عدي: أمجنون أنت؟
أكلمك بما أكلمك، وأنت تقول هذا!؟ وقال لأصحابه: ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى، ونهضوا، فأخبروا زيادا (فأخبروه ببعض، وخزنوا بعضا)، وحسنوا أمره، وسألوا زيادا الرفق به، فقال: لست إذا لأبي سفيان، فأرسل إليه الشرط والبخارية، فقاتلهم بمن معه، ثم انفضوا عنه، وأتي به إلى زياد وبأصحابه، فقال: ويلك مالك؟ قال: إني على بيعتي لمعاوية. فجمع زياد سبعين، فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ثم أوفدهم على معاوية، وبعث بحجر وأصحابه إليه، فبلغ عائشة الخبر، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فقال معاوية: لا أحب أن أراهم، هاتوا كتاب زياد، فقرئ عليه، وجاء الشهود. فقال معاوية: اقتلوهم عند عذراء، فقال حجر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء (1). قال: أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها

(1) هي من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها، وتبعد عنها خمسة عشر ميلا تقريبا وبها قبر حجر بن عدي وأصحابه، في مسجدها، ولا تزال إلى يومنا هذا. وأخطأ من زعم أنه دفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في حي مسجد الأقصاب.
(٤٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 ... » »»