ونحن نعلم أيضا أن الذهبي قد عانى النقد في تآليف خاصة رد بها على كتب معينة، فقد ألف كتابا في الرد على ابن القطان المتوفى سنة 628 ه (1) كما ألف كتاب " من تكلم فيه وهو موثق " رد به على جملة من كتب الضعفاء كما بينا.
وبسبب هذا الذي قدمنا ذكره من براعة الذهبي في النقد والتمكن منه، فقد أصبح " شيخ الجرح والتعديل " كما ذكر تاج الدين السبكي (2). وقال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه: " ناقد المحدثين وإمام المعدلين والمجرحين.. وكان آية في نقد الرجال، عمدة في الجرح والتعديل (3) "، وقال شمس الدين السخاوي المتوفى سنة 902: " وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال (4) "، فأصبحت أقوال الذهبي فيمن يترجم لهم تعتبر عند النقاد والمؤرخين الذين جاءوا بعده أقصى حدود الاعتبار، وظهرت بصورة جلية في المؤلفات التي كتبت بعد عصره، ولا سيما في مؤلفات مؤرخ القرن التاسع وحافظه ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه (5).
وتطالعنا عند قراءة كتب الذهبي العديد من الأمثلة التي تدل على قوته في البحث والاستدلال، ومناقشة آراء الغير بروح علمي يعتمد الدليل والاقناع، من ذلك مثلا مناقشة لمن اتهم الحافظ أبا حاتم محمد بن حيان البستي التميمي المتوفى سنة 354 ه بالزندقة لقوله: " إن النبوة هي العلم والعمل " وما تبع ذلك من كتابة الخليفة أمرا بقتله لهذا السبب، قال الذهبي: " وهذا